ماذا سيحدث في دبي بعد إكسبو 2020 ؟

السبت 24 فبراير 2018
دبي - مينا هيرالد:

برزت مؤخراً بعض الآراء المتشائمة تجاه مستقبل اقتصاد دبي بعد إسدال الستار على فعاليات إكسبو 2020 مع توقعات بانتهاء الزخم الذي صاحب الحدث منذ أن فازت الإمارات باستضافته عام 2013.

وتأتي هذه الآراء في ظل ارتفاع المعروض في القطاع العقاري بدبي كجزء من التحضيرات لاستضافة إكسبو واستقطاب الملايين من الزوار إلى الإمارة، مما قد يحدث تراجعاً حاداً في الطلب على العقار بعد انتهاء الحدث وتراجع أعداد السياح وتباطؤ الحركة التجارية والاستثمارية في دبي، ويتزامن ذلك مع بدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة وما تحمله من تداعيات اقتصادية.  ولذا تهيأ للبعض أن دبي ستنتهي مع انتهاء إكسبو.

مدينة أشباح

ليست هذه المرة الأولى التي تواجه دبي مثل هذه التوقعات السلبية، حيث شهدت الإمارة سيناريو مماثل إبان الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، وتوقع الكثيرون أنذاك أن تتحول الإمارة إلى مدينة أشباح.

لكن دبي اعتادت دائماً مواجهة المشككين والمتشائمين بالمزيد من العمل مع انجازات ونجاحات توثقها بمشاريع نوعية وتنافسية استثمارية واقتصادية لا مثيل لها. إذ لا يلتفت الشيخ محمد بن راشد للمتشائمين والمشككين، بل يضع المستقبل نصب عينيه، كعادته، ويواصل البناء والتقدم والنهوض بدبي ودولة الإمارات إلى مصاف الدول المتقدمة، وباتت زيارة دبي والعمل بها فرصة العمر يحلم بها حتى أولئك المنتقدون والساخرون.

فحتى مع تداعيات الأزمة العالمية التي ألقت بثقلها على العديد من الدول والشركات حول العالم، وبالرغم من التحديات المالية التي واجهتها الإمارة في ظل شح السيولة العالمية آنذك، إلا أن دبي انتفضت في وجه الصعاب بحنكة قائدها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وأثبتت للعالم أنها رقم صعب في معادلة الاقتصاد العالمي وستبقى كذلك شاء من شاء وأبى من أبى.

شرارة الأزمة

بالرغم من الأجواء السلبية التي أحاطت بالاقتصاد الدولي بعد اندلاع شرارة الأزمة المالية العالمية، إلا أن دبي أصرت على المضي قدماً في مشاريعها وافتتحت دبي مول عام 2008 كأكبر مركز تسوق في العالم في ذروة الأزمة الاقتصادية العالمية، ومن ثم أزاحت الستار على برج خليفة الأطول في العالم، وواصلت مسيرة التنمية والتطوير غيرة عابئة بالأصوات المحذرة والتوقعات السلبية، وبذلك أثبتت دبي للعام مرة أخرى أن قصة نجاها ليست مجرد فقاعة وليست تجربة تنموية عابرة استفادت من الظروف المحيطة، بل هي نموذج اقتصادي فريد من نوعه مبني على التطوير المستمر بقيادة رؤية حكومية سباقة لا تعرض للطموح حدوداً.

مقومات تنافسية

وبالعودة إلى توقعات ما بعد إكسبو 2020، يتناسى المشككون أن مسيرة اقتصاد دبي ونموه ليست متوقفة على هذا الحدث ومساهمته الاقتصادية، فأرقام تجارة دبي الخارجية مع العالم في نمو مستمر بمعزل عن الحدث وحتى قبل الفوز باستضافته، كما أن الاستثمار الأجنبي المباشر في دبي يأتي بفضل ما تتمتع به الإمارة من جاذبية استثمارية ومقومات تنافسية تجعل منها مقراً مثالياً ليس للعمل والاستثمار فحسب، بل للعيش والاستمتاع بنمط حياة عصري وخدمات حكومية متطورة ضمن مجتمع متسامح ومنفتح في ظل مستويات من الأمن والأمان قل مثيلها في العالم.

فإكسبو 2020 هو مجرد حلقة في سلسلة متكاملة ومستمرة من الفعاليات والأنشطة الاستراتيجية التي تستثمرها دبي لدفع قاطرة الاقتصاد المحلي.

إذ لا ننسى أن الإمارة أطلقت منذ التسعينات مهرجان دبي للتسوق لتحفيز تجارة التجزئة والتسوق ومن ثم أعلنت عن مفاجآت صيف دبي لإنعاش الأسواق في موسم الصيف الحار، لتتوسع بعدها في مشروع القرية العالمية كوجهة ترفيهية متكاملة، كما عمدت إلى تطوير صناعة المعارض والمؤتمرات على مدار العام ونجحت في تقديم معارض عالمية رائدة يقصدها التجار والشركات من شتى أصقاع العالم على غرار معرض الخليج للأغذية  "جلفود" و أسبوع جيتكس للتقنية وسوق السفر العربي" الملتقى" وغيرها الكثير.

كما أطلقت دبي مجموعة من المؤتمرات الدولية النوعية وفي مقدمتها القمة العالمية للحكومات، كما تواصل الاجتماعات السنوية لمجالس المستقبل العالمية، التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي .

فرص ومشاريع

تكمن الأهمية الاقتصادية لهذا الحدث التاريخي في عدة محاور، تأتي في مقدمتها الفرص المرتبطة بشكل مباشر في مشاريع الإنشاءات داخل موقع إكسبو 2020 ، وما توفره من عقود ومناقصات للشركات المحلية والعالمية، إلى جانب مشاريع البنية التحتية المرتبطة بالحدث على غرار مشاريع الطرق والمواصلات ومترو دبي، و مشاريع الطاقة والمياه المرتبطة بإكسبو 2020 وغيرها الكثير.

ومن جانب آخر لا يقل أهمية عن المشاريع والعقود، تكمن أهمية إكسبو 2020 كحدث حضاري وتاريخي سيستقطب الملايين من الزوار والسياح من مختلف أنحاء العالم، مما سيشكل أيضاً فرصة سانحة لإطلاعهم على ما تزخر به دبي من فعاليات ووجهات سياحية وفرص استثمارية متنوعة.

إرث مستدام

ولا ننسى أن دبي استبقت مرحلة ما بعد إكسبو  بالكشف عن مشروع "دستركت 2020"، وهو مجتمع حضري متكامل سيشكل جزءاً محورياً من إرث إكسبو 2020  بعد إسدال الستار على فعالياته في العام 2021.
وتضم دستركت 2020 مناطق سكنية تصل مساحتها إلى 65 ألف متر مربع ومناطق تجارية تصل مساحتها إلى 135 ألف متر مربع في موقع يحتضن مراكز ابتكار ومؤسسات تعليمية وثقافية وترفيهية وتجارية عالمية المستوى.

ويوفر المشروع التطويري الجديد نمط حياةٍ عصري يجمع الأعمال والترفيه في بيئة غنية متكاملة تشجع التواصل المباشر والرقمي. وسيكون هذا الموقع عالمي المستوى جزءا لا يتجزأ من إرث إكسبو 2020 دبي اعتبارا من الربع الرابع من العام 2021، وسيدعم التنمية في دبي. وستشكل "دستركت 2020" قلب مجتمع متكامل عالمي المستوى، مستفيدة من إرث إكسبو 2020 دبي، الأمر الذي سيدعم ويسرّع عجلة التنمية في الإمارة، وستكون محركا اقتصاديا طويل الأمد لدولة الإمارات العربية المتحدة عموماً، حاضنة للمبتكرين والرواد المبدعين ومركزاً جاذباً للاستثمار وخلق فرص العمل

منظومة متكاملة

وبمعزل عن إكسبو 2020 وأهميته الاقتصادية والترويجية لدبي والإمارات والمنطقة ككل، يعتمد اقتصاد دبي على منظومة متكاملة من القطاعات الاستراتيجية المدعومة بمؤسسات وشركات ومناطق حرة ومتخصصة نوعية تدعم تنافسية الإمارة وتواصل العمل على تعزيز دور وأهمية دبي على مختلف الأصعدة محلياً وعالمياً، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تشمل قائمة المساهمين بنجاح دبي ودعم نموها الاقتصادي والتجاري كلاً من طيران الإمارات، التي تتسيد قطاع النقل الجوي عالمياً وتستمر في مد جسور التواصل الاجتماعي والسياحي والاقتصادي مع مختلف أرجاء العالم. فيما تعمل موانئ دبي العالمية على توسيع دور دبي في حركة الشحن والنقل البحري وتعزيز مساهمة دبي في تنمية التجارة العالمية.

وفي نفس السياق، تعمل عدد من المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية على الترويج تجارياً وسياحياً لدبي على المستوى الاقليمي والعالمي،  ومن ضمنها دائرة السياحة والتسويق التجاري والتي تتولى استقطاب السياح والزوار إلى دبي ودعم وتنظيم قطاع الفنادق في دبي . بالإضافة إلى غرفة تجارة وصناعة دبي التي تنظم سلسلة من الفعاليات والمؤتمرات الدولية في الإمارة كما تنظم باستمرار بعثات تجارية خارجية رفيعة المستوى للترويج لفرص الاستثمار والتجارة مع دبي.

ومن جانبها تتولى اقتصادية دبي "دائرة التنمية الاقتصادية في دبي" تنظيم وترخيص الأنشطة والأعمال التجارية والاستثمارية في الإمارة بالإضافة إلى حماية حقوق الملكية الفكرية وحقوق المستهلكين، وفيما يتعلق بالمؤسسات التابعة لها، تتولى مؤسسة دبي لتنمية الصادرات الترويج للمنتج الوطني وفتح آفاق التجارة أمام الشركات المحلية في الأسواق الخارجية الواعدة، أما مؤسسة دبي لتنمية الاستثمار فتعمل على استقطاب وتحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر في دبي. ومن جانبها تعمل مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع المتوسطة والصغيرة على دعم رواد الأعمال والشركات الناشئة في دبي.

وتشكل البنية التحتية المتطورة إحدى الميزات التنافسية الحيوية لدبي، ويساهم في تطويرها حزمة من الجهات الحكومية وفي مقدمتها هيئة كهرباء ومياه دبي التي تستثمر وتطور قطاع الطاقة في دبي، فيما تطور هيئة الطرق والمواصلات مشاريع الطرقات والجسور والنقل البري والبحري الداخلي في دبي.

وتأتي المناطق الحرة والمتخصصة كمساهم رئيسي في تعزيز تنافسية دبي ، وتتضمن المنطقة الحرة لجبل علي "جافزا" و المنطقة الحرة في مطار دبي "دافزا" بالإضافة إلى مركز دبي المالي العالمي الذي يعتبر بمثابة "وول ستريت" لقطاع التمويل والمصارف الاستثمارية في دبي.
بالإضافة إلى مدينة دبي للانترنت ومدينة دبي للإعلام التي تشكلان حاضنة مثالية لشركات التقنية والإعلام في دبي والمنطقة ككل. بينما يساهم مركز دبي للسلع المتعددة في ترسيخ مكانة الإمارة في عالم تداول السلع على المستوى الدولي. كما أطلقت دبي مجموعة من المناطق الجديدة خلال السنوت الماضية ومن ضمنها مدينة دبي لتجارة الجملة وغيرها.

وبالنظر إلى التحديات التي واجهتها دبي عبر تاريخها ونجاحاتها بالتغلب عليها وتحويل المصاعب إلى فرص لتخرج دائماً أكثر قوة ومرونة في التعامل مع التغيرات، فإن إكسبو 2020 حتماً ليس النهاية، بل في الواقع هو بداية لعصر جديد من الازدهار والتنمية المستدامة على المدى الطويل.

أخبار مرتبطة