العدّ العكسي للمواجهة بين أكبر قوّتين اقتصاديّتين في العالم

الأحد 25 نوفمبر 2018
أولي هانسن

بقلم: أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في ساكسو بنك

شهدت السلع فترة شديدة الصعوبة خلال أسبوعٍ قلّصَت أيامه إجازة عيد الشكر بالولايات المتحدة الأمريكية. وساهم الضعف المستمر لأسعار النفط الخام والمنتجات والزراعة في تعويض الارتفاع الطفيف في الطلب على المعادن الثمينة. ودفعت هذه التطورات مؤشر ’بلومبرغ‘ للسلع الرئيسية نحو تكبّد أعلى خسائره الأسبوعية منذ خمسة شهور، وأغلق عند أدنى مستوياته منذ خمسة عشر شهراً.

وما زال القلق سائداً في الأسواق العالمية جرّاء الشكوك المرتبطة بالحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وتأثيراتها على معدل النمو السنوي والطلب، فضلاً عن تغيير دراماتيكي في التوقعات على المدى القريب بالنسبة للنفط الخام.

وسيكون الأسبوع المقبل بمثابة انطلاق لعد تنازلي وصولاً لموعد اللقاء المرتقب بين الرئيسين ترامب وشي جين بينغ في قمة مجموعة العشرين بالأرجنتين خلال الفترة بين 30 نوفمبر و1 ديسمبر من العام الجاري. وبات عدم اليقين الناجم عن تصاعد وتيرة الحرب التجارية بين أكبر قوّتين اقتصاديّتين في العالم يتجلّى في ضعف الأسهم العالمية، والتكهّنات التي ظهرت مؤخراً حول احتمال توجّه بنك الاحتياطي الفيدرالي نحو إبطاء وتيرة رفع أسعار الفائدة حتى عام 2019.

واستفادت أسعار الذهب من هذه التطورات، ووإن ظلت محدودة ضمن نطاق معيّن بانتظار نتائج قمة مجموعة العشرين التي من المحتمل أن تحدد المزاج وصولاً إلى فترة التداول الهادئة في ديسمبر قبيل موسم الأعياد والعام الجديد.

مواجهة تراجع الإيرادات أو تبعات قرارات ترامب خيار صعبٌ ستواجهه أوبك عند اجتماعها في فيينا يوم 6 ديسمبر. مع الأخذ بالاعتبار أن هذا الاجتماع كان منتظراً قبل بضعة أشهر فقط ليكون احتفالاً بنجاح الجهود التي بذلتها المنظمة وشركاؤها لتعزيز أسعار النفط الخام ورفعها نحو مستوى مقبول.

وبدلاً من ذلك، أدت زيادة إنتاج النفط من أكبر ثلاثة منتجين في العالم، والمخاوف بشأن نمو الطلب وصولاً إلى عام 2019، ناهيك عن التراجع البسيط في الصادرات الإيرانية، وإن كان أقل من التوقعات، إلى قلب السوق رأساً على عقب. وعلى مدى سبعة أسابيع متتالية من البيع، شهدت أسعار خام غرب تكساس الوسيط انهياراً من أعلى مستوياتها منذ أربعة أعوام، لتعيد نصف ما حققته من مكاسب منذ أن بلغت مستوى 26 دولار للبرميل قبل حوالي 34 شهراً.

وتم تسليط الضوء على هذا التباين الحالي بين ارتفاع مستوى العرض وضعف الطلب الموسمي هذا الأسبوع عندما أعلنت المملكة العربية السعودية أنها عززت إنتاجها إلى مستويات قياسية تجاوزت 10.7 مليون برميل يومياً. وإضافة إلى المستوى القياسي لإنتاج النفط الخام الأمريكي والروسي، وتجدد الارتفاع الأسبوعي في مخزونات الخام الأمريكية، ومواصلة ضغوطات ترامب على أوبك لمواكبة الإنتاج، أدى ذلك إلى دفع أسعار النفط نحو مزيد من الانخفاض.

وسيؤدي التدهور المستمر للأسعار إلى ارتفاع التوقعات بلجوء أوبك وغيرها نحو تقليص الإنتاج بشكل كبير. وسبق وأن أشارت التقارير إلى تخفيض الإنتاج في المنطقة بحوالي 1.5 مليون برميل يومياً. وعلاوة على ذلك، من شأن الارتفاع المرتقب لمستوى الطلب العالمي على المصافي خلال الأسابيع المقبلة - حسب التوقعات - تحقيق زيادة مماثلة على أقل تقدير في الأسعار، مما يساعد في إيجاد أرضية صلبة تستند إليها السوق.

وقبل الوصول إلى تلك المرحلة، ستبقى السوق مكشوفة للبيع من المصارف التي تحمي تحوّطات منتجيها. ووفقاً لتقارير ’بلومبرغ‘، فإن القسط الأولي الذي يدفعه متداولو الخيارات مقابل نفس الدلتا سيُرجؤُ الدعوات، حيث وصلت فترة الاثني عشر شهراً إلى أعلى مستوياتها منذ انهيار عام 2014.

وفي حين سيستقطب اجتماع أكبر قوّتين اقتصاديّتين في العالم معظم الاهتمام الأسبوع المقبل، يزداد التركيز الآن على إمكانية عقد قمة ثلاثية تجمع بين ترامب وبوتين وولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان.

وقد تباهى ترامب بهذا الفوز على ’تويتر‘ الأسبوع الماضي، حيث هنّأ نفسه والمملكة العربية السعودية على نجاحهما في تخفيض الضريبة العالمية على المستهلكين، وهو ما يرجّح أن يزيد القلق الذي تشعر به الرياض فعلاً. وقضت المملكة العربية السعودية الشهور القليلة الماضية في رفع إنتاجها لمنع حدوث أي ارتفاع مفاجئ للأسعار بمجرد دخول العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران حيّز التنفيذ مطلع نوفمبر. ولعبت الخطوة التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي ترامب في منح إعفاءات لثمانية بلدان، من بينها الصين والهند وهما أكبر المشترين في العالم، دوراً كبيراً في إحداث هزة في السوق.

ومن الناحية الإيجابية، ينبغي أن يقلص الانهيار من خطر الطلب على النفط في الأسواق الناشئة في عام 2019. وقبل أسابيع قليلة، شهدت دولة مثل الهند، وهي التي قد تعجز عن تحمّل ارتفاع الأسعار بنسبة 70% تقريباً على أساس سنوي، انخفاض هذا التغيير إلى مستويات تقارب الصفر، حيث انتعشت الروبية مع انخفاض أسعار النفط من أدنى مستوياتها مقابل الدولار.

في حين ما زالت بعض الأسواق الأخرى تتكبّد الخسائر، فقد ظل الذهب هادئاً نسبياً بالرغم من الاتجاه المعاكس من قوة الدولار المستمرة. وما زالت وجهة نظرنا إيجابية حيال الذهب بناء على اعتقادنا بأن رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار فائدته خلال شهر ديسمبر ستليه خطوة مماثلة أخرى واحدة فقط في عام 2019 قبل التوقف لفترة مؤقتة. ومن شأن هذه التطورات دفع أسعار الدولار نحو الانخفاض في عام 2019، ما سيبعث الراحة في الاقتصادات الناشئة المضطربة جراء ارتفاع أسعار الدولار، وارتفاع الديون، وارتفاع تكاليف التمويل، وارتفاع أسعار النفط - حتى وقت قريب.

وترجّح التوقعات أن تسهم قمة الدول العشرين، واجتماع الزعيمين الأمريكي والصيني على وجه التحديد، في تحديد التوجه العام للفترة المتبقية من السنة. ويمكن أن يؤدي الانهيار والتصعيد اللاحق إلى انخفاض سعر اليوان الصيني إلى أقل من سبعة مقابل الدولار. ومن شأن مثل هذه الخطوة إضعاف قيمة الذهب في البداية، قبل أن يأتي الدعم من الليونة الإضافية للأسهم وانخفاض عوائد السندات. وفي الوقت الحالي، يبقى المعدن الأصفر محدود النطاق بين 1200-1240 دولار للأونصة، مع وجود صناديق تحوّط من غير المرجّح أن تشعر بالقلق ما لم يتم اختراق العتبة العليا من النطاق.

وعانت الفضة يوم الجمعة جراء انهيار أسعار النفط وانخفاض السيولة الناجم عن غياب العديد من المتداولين الأمريكيين، ما أبقاها خاضعة لبعض الضغوطات النسبية. ولن يتم تقليص هذا الفارق مع الذهب، والذي دام عقوداً متعددة، ما لم تهدأ الأسواق ويبدأ التجار بالبحث عن القيمة النسبية.

وفي الوقت نفسه، شهد النحاس عالي الجودة تداولات جانبية منذ يوليو حين ساهمت الحرب التجارية على انخفاض أسعاره بحدّة. وتعتبر هذه التداولات في نطاق ضيق خلال الشهرين الماضيين مؤشر قوة، حيث ضعفت الأسهم العالمية جراء مخاوف النمو، وتفاقم الحرب التجارية، وانهيار أسعار النفط الخام بمقدار الثلث تقريباً.

وتمثلت العوامل التي ساهمت في هذه التداولات بتشديد المبادئ الأساسية واحتمالية الإنفاق الإضافي على البنية التحتية، ليس فقط في الصين، وإنما في الولايات المتحدة الأمريكية. كما تراجعت أسعار النيكل نحو أدنى مستوياتها منذ ديسمبر الماضي، مع ازدياد الأدلة على وجود عرض فائض في السوق ما جعله عرضة لمخاطر الطلب المتضائل.

تجدر الإشارة إلى أن تقارير التزامات المتداولين الأسبوعية، والتي تصدرها لجنة تداول العقود الآجلة للسلع الأمريكية، قد تم تأجيلها حتى يوم الاثنين بسبب عطلة عيد الشكر. وبالتالي، سأقوم بنشر التحديث المقبل ليغطي مراكز المضاربين في السلع يوم الثلاثاء.

أخبار مرتبطة