بقلم أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في ’ساكسو بنك‘
ما زال أداء السلع الرئيسية قوياً حتى الآن خلال ربع السنة الحالي؛ فيما ساهمت التداولات والتوترات الجيوسياسية، فضلاً عن قوة أسعار الدولار، بتشكيل سوق مليئة بالتحديات. وبصفة عامة، شهدنا تأثير ارتفاع أسعار الدولار على إنشاء نوع من الرياح المعاكسة، ليس أقلها في مواجهة المعادن الثمينة. وازدادت عمليات الشراء المتجدد للدولار خلال الأسابيع الأخيرة نظراً لارتفاع مخاطر المضاربة على تداولات الدولار القصيرة واليورو الطويلة. كما أدى ارتفاع التغطية القصيرة، والذي اندفع إلى حد ما بارتفاع فوارق العائدات قياساً بالعملات الأخرى، إلى استعادة الدولار الأمريكي لمعظم خسائره التي تكبدها في عام 2018.
وحلّ قطاع الطاقة، وخاصة النفط الخام، على رأس قائمة الدعم من سقف الإنتاج الذي حددته أوبك/روسيا، كما استفادت قوة الطلب من ازدياد وتيرة المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بقرار ترامب المرتقب في 12 مايو بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. وقد تدفع النتائج أسعار النفط الخام إما لتوسيع مداها الحالي من المكاسب، أو انكماش أقساط تحمّل المخاطر التي تراكمت في الأسابيع الماضية.
وعانت المعادن الصناعية من التوترات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين نظراً للمخاطر المحتملة على الطلب والنمو العالمي جراء اندلاع حرب تجارية كاملة. وأدى خطر تعطل الإمدادات إلى رفع أسعار الألمنيوم، والنيكل بنسبة أقل، بعد أن فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على العديد من الشركات الأوليغارشية الروسية، والتي امتلكت أحدها حصة رئيسية من أكبر شركة إنتاج للألمنيوم خارج الصين.
ووجد قطاع الحبوب وفول الصويا الدعم نتيجة التركيز على الطقس الجاف. ويجري الآن العمل على تعويض التأثيرات السلبية للارتفاع القياسي في مستويات المخزونات خلال السنوات السابقة، وبقدر أكبر نتيجة التوقعات غير المؤكدة للإنتاج. وظهر ارتفاع في أقساط التأمين ضد المخاطر المناخية في الأشهر الأخيرة نتيجة التطورات التي شهدها نصفا الكرة الشمالي والجنوبي. وبالنتيجة، تحوّل التجار المضاربون، مثل صناديق التحوط، إلى أكثر المضاربين على ارتفاع الأسعار بالنسبة للمحاصيل الثلاثة الرئيسية لهذا الوقت من العام منذ عام 2014.
واستفادت أسعار القمح من الظروف المناخية الجافة في سهول وسط الولايات المتحدة. ولا يزال المحصول الشتوي الحالي في وضع سيء، فيما لا تزال زراعة القمح الربيعي متأخرة عن الجدول الزمني.
وتترقب السوق خلال بضعة أيام أكبر حدث متوقع منذ اتفاقية أوبك/روسيا للحد من إنتاج النفط دعماً للأسعار في ديسمبر 2016. وما زلنا بانتظار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المرتقب في 12 مايو المقبل بخصوص إيران. وتبقى على المحك اتفاقية 14 يونيو 2015 الموقعة بين طهران وستة من القوى العالمية الكبرى التي علقت عقوباتها ضد الجمهورية الإسلامية مقابل فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني.
وبانسحابه من الاتفاقية، يخاطر ترامب بوقوع ارتفاع كبير في الأسعار العالمية للنفط، مما قد يحدث نتائج عكسية جرّاء تأثيراتها على النمو العالمي والتضخم. وبالرغم من استمرار تأييد بقية أطراف الاتفاقية، قد يضرّ إعادة فرض العقوبات الأمريكية بقدرة إيران على التعامل بالدولار. وبالرغم من أن إيران لا تصدّر أي نفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن ذلك قد يلعب دوراً في تقليص أو إلغاء، أو تحقيق انخفاض على أفضل تقدير، لحجم الطلب من حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية - على النحو الذي شهدناه خلال فترة خضوع إيران للعقوبات بين عامي 2012 و2015.
وساهم رفع العقوبات في مطلع 2016 بزيادة إنتاج النفط الإيراني بواقع مليون برميل يومياً ليصل إلى 3.8 مليون برميل في اليوم. وقد تؤدي إعادة فرض العقوبات دون قيام أعضاء آخرين في أوبك بزيادة الإنتاج إلى إزالة ما يقدر بين 300-500 ألف برميل يومياً من النفط الإيراني.
واستفاد خام برنت، والذي يشكل المعيار العالمي، بشكل كبير من استمرار المخاطر الجيوسياسية، لاسيما المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، والانهيار المستمر للإنتاج الفنزويلي الذي استقطب أكبر قدر من الاهتمام.
ولعبت قوة الطلب العالمي الواضحة خلال الربع الأول من العام، فضلاً عن الالتزام المستمر من أوبك وروسيا بالحفاظ على سقف الإنتاج وصولاً لسعر 80 دولار للبرميل، دوراً كبيراً في دعم المضاربات على ارتفاع الأسعار. ووفقاً للمعايير التاريخية، ظهر صافي مراكز التداول طويل الأجل واضحاً للغاية، وذلك في خام برنت على الأقل حيث يوجد مركز قصير واحد لكل 20 مركز طويل.
وتفرض زيادة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية، وقيود خطوط الأنابيب والمسافة حتى محطات التصدير في خليج المكسيك، حالياً بعض التناقضات الرئيسية في الأسعار داخل السوق الأمريكية.
يواصل إنتاج النفط الأمريكي ارتفاعه، ومع ذلك نرى مآزقاً في طور التشكل. وأدت خطوط الأنابيب التي تقترب بشكل متزايد نحو سعتها الكاملة إلى خلخلة أسعار النفط المنتج في منطقة بيرميان غرب تكساس مع بقية أرجاء الولايات المتحدة. ويظهر الرسم البياني أعلاه التناقضات الواسعة بين النفط الصخري من بيرميان المسعّر في ميدلاند قياساً بخام غرب تكساس الوسيط المنتج في كوشينج. وتبدو أسعار النفط في مراكز تصدير النفط الرئيسية على ساحل خليج المكسيك، على الأقل ميناء لويزيانا للنفط البحري، أقرب بكثير إلى سعر خام برنت، الذي يشكل المعيار العالمي.
وسجل السعر المتوقع لخام برنت حالياً ارتفاعاً إلى أقل من 82 دولار للبرميل، وهو يمثل ارتداداً بنسبة 61.8 بالمائة قياساً بعمليات البيع الممتدة بين عامي 2014 و2016. ولكن ذلك يعتمد على قدرته على التمسك بالقسط الحالي لتحمّل المخاطر غير الأساسية، والذي يقدر بنحو 5-10 دولار.
وتوقف التراجع الأخير في أسعار الذهب بعد أن أكدت اللجنة الفدرالية للأسواق المفتوحة في اجتماعها الأخير على تمسكها بسياسة التشديد التدريجي؛ بينما حظيت الأسعار ببعض الدعم الأساسي نتيجة الحرب التجارية بين الصين وأمريكا، والعقوبات الأمريكية على إيران. وأدى انتعاش أسعار الدولار إلى ظهور الضعف الذي شهدناه خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.
وأظهر تقرير الوظائف الأمريكي في أبريل ارتفاعاً في قوة الدولار بعد صدور رقم قياسي قوي، ولكن مع عدم وجود أي مؤشرات على ارتفاع الأجور، حيث تم السماح بارتفاع أسعار السندات مما قدم للذهب تعويضاً مقابل قوة الدولار.
وتظهر بيانات المضاربة، والتي اعتمدت على عقود العملات الآجلة في سوق النقد الدولي، مدى ارتفاع مخاطر حدوث حركة مضادة جراء المستويات القياسية التي سجلتها تداولات اليورو الطويلة والدولار القصيرة في الأشهر الأخيرة منذ سبع سنوات. وعلى خلفية المواجهة القائمة بين أكثر من 80% من تداولات الدولار القصيرة مع اليورو، ساعدت التطورات الأخيرة - مثل ازدياد انتشار العائدات والبيانات الاقتصادية المخيبة للآمال من منطقة اليورو - في إضعاف اليورو وترك الدولار الأمريكي، على المدى القصير على الأقل، عرضة للمزيد من المكاسب مع رياح معاكسة للسلع، وليس أقلها الذهب والفضة.
وتبيّن النظرة العامة على الدوافع التي تميل نحو تحديد اتجاه الذهب كيف أننا لا نرى أي اتجاه واضح في هذه المرحلة. ويسهم ارتفاع أسعار الدولار والفائدة الحقيقية في تعويض ارتفاع توقعات التضخم، وهو اتجاه سلبي صاعد بشكل عام (عامل تفضيل للسلع في دورة متأخرة)، والمخاطر المالية والجيوسياسية.
يواصل جدار المقاومة المادي دوره في الحد من الارتفاع، فيما ساهم وقوع إخفاقات متعددة منذ عام 2016 لتخطي منطقة تتراوح بين 1,365 و1,375 دولار للأونصة في ترك حالة من التوتر في السوق مع تجدد التركيز على إيجاد الدعم.
وبعد استعادته لنصف ما وصله من ارتفاع في الفترة بين شهري ديسمبر ويناير، وجد الذهب الدعم قبل الدعم الفني والنفسي الرئيسي عند 1300 دولار للأونصة. وبقي النجاح المحتمل للاحتفاظ بارتفاع أسعاره بيد الدولار ومساره القصير، فضلاً عن الأخبار المتعلقة بفرض العقوبات الأمريكية على إيران في 12 مايو. وللعودة نحو منطقة الأمان النسبي، ينبغي أن تعود الأسعار إلى اجتياز عتبة 1322 دولار للأونصة.