دول مجلس التعاون الخليجي تضخ استثمارات كبيرة في منشآت الأبحاث، ولكن آن الأوان للتركيز على الارتقاء بجودة الأبحاث

الأربعاء 26 سبتمبر 2018
الدكتور يحيى عنوتي، مدير أول في شركة ستراتيجي& ميدل إيست
دبي - مينا هيرالد:

تستثمر دول مجلس التعاون الخليجي مبالغ كبيرة في المختبرات الحديثة، والمباني الجامعية، والمنشآت البحثية. وسوف يصل إجمالي نفقاتها الرأسمالية من عام 2010 إلى عام 2030 إلى قرابة 38.4 مليار دولار أميركي. إلا إنها حتى وقتنا الحاضر، لم تبذل جهوداً مماثلةً في أنشطة البحث والتطوير عالية الجودة، وفقاً لدراسة حديثة أجرتها شركة الاستشارات الاستراتيجية الرائدة ستراتيجي& ميدل إيست (بوز أند كومباني سابقاً)، وهي تابعة لشركة بي دبليو سي. وبالتالي، تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى استيراد المعرفة من الخارج، والتي غالباً ما يتعذر، بل قد يستحيل، تكييفها مع السياق الخاص بالدول الخليجية.

وتُظهر الدراسة أن حجم الإنفاق على أنشطة البحث والتطوير (متضمنة النفقات الرأسمالية) في دول مجلس التعاون الخليجي يقل بدرجة كبيرة عن نظرائها على مستوى العالم. فعلى سبيل المثال، يبلغ حجم الإنفاق على أنشطة البحث والتطوير في دولة الإمارات العربية المتحدة 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي، و 0.1% فقط من الناتج المحلي الإجمالي في دولة البحرين. وعلى النقيض من ذلك، تُنفق دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 2.5% في المتوسط من ناتجها المحلي الإجمالي على أنشطة البحث والتطوير. ولكي تتماشى مع هذا المتوسط، يجب على المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر والكويت وسلطنة عمان والبحرين زيادة إنفاقها من الناتج المحلي الإجمالي على الأبحاث والتطوير بنسبة 1.7%، و1.6%، و2%، و2.2%، و2.3%، و2.4% على التعاقب. وبالرغم من قيام حكومات دول مجلس التعاون الخليجي بتخصيص حصص كبيرة من ميزانياتها لتشييد أحدث المنشآت البحثية، لا تزال هناك عوائق جوهرية تقف وراء محدودية الأبحاث التي تقدمها دول مجلس التعاون الخليجي. وتشمل هذه العوائق:

  • القيود الهيكلية داخل الأوساط الأكاديمية
  • ندرة الشراكات مع الباحثين الدوليين والقطاع الخاص
  • ضعف المساهمة في جدول أعمال القطاع العام
  • قصور أنظمة الملكية الفكرية

وفي معرض تعليقه على العوائق التي تواجه البحث الأكاديمي في دول مجلس التعاون الخليجي، أفاد الدكتور يحيى عنوتي، مدير أول في شركة ستراتيجي& ميدل إيست: ”في الوقت الحاضر، تعد الأبحاث الأكاديمية التي يقودها القطاع الخاص محدودة. ولا تملك الجامعات المحلية سوى قنوات قليلة للتعاون مع الجامعات الدولية أو القطاع الخاص أو الحكومة، كما أن النظام القانوني في المنطقة لا يحمي الملكية الفكرية للباحثين ولا يزودهم بالدعم التسويقي والتجاري بشكل فعال، مما يُقلل من إنتاج وجودة أبحاثهم، ويحول دون تحقيق الابتكار والمساهمة بأي مدخلات مثمرة في السياسات الاجتماعية والاقتصادية. وهذا يعني أن دول مجلس التعاون الخليجي تدفع ثمناً باهظاً لاستيراد المعرفة من الخارج، وهو حل غير مستدام لا يُلبي دوماً احتياجاتها الخاصة.“

ولذا تُضيع دول مجلس التعاون الخليجي على نفسها فرصة نمو مهمة. وقد وجدت الدراسة أن الزيادة بنسبة 1% في أنشطة البحث والتطوير قد تُسهم في تعزيز وتيرة النمو الاقتصادي بنسبة 2.2%، مما يساعد على تسهيل الانتقال نحو اقتصاد متنوع، وتحسين إدارة مجموعة التحديات المجتمعية، وتقليل الاعتماد على الواردات بشكل عام.

وأفاد د. شهاب البرعي، شريك في شركة ستراتيجي& ميدل إيست: ”قامت دول مجلس التعاون الخليجي باستثمارات رائعة في المنشآت البحثية، لكن عليها الآن تحويل تركيزها إلى تعزيز المنظومة البحثية. ومن خلال تشجيع إنتاج وجودة الأبحاث الأكاديمية والمؤسسية، بمقدورها تمكين الابتكار وتطوير منتجات وحلول جديدة، وتعزيز مهارات القوى العاملة، وإرشاد السياسات العامة. ونتيجة لذلك، ستُسهم هذه التطورات في القدرة على التكيف وزيادة الإنتاجية.“

يحدد تقرير ستراتيجي& ميدل إيست خمس مبادرات لمساعدة حكومات دول مجلس التعاون الخليجي على بناء منظومة بحثية شاملة:

  1. وضع الأبحاث في قلب جدول أعمال القطاع العام لدول مجلس التعاون الخليجي: ينبغي على حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تضمين أهداف واضحة للمبادرات البحثية في رؤاها الوطنية للتنمية والسياسات العامة، فضلاً عن تصميم الإطار الصحيح لتوجيه الجهود البحثية ومراقبتها بفعالية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تستفيد من المعلومات والتحليلات القائمة على الأدلة للأوساط الأكاديمية للتعامل مع التحديات المجتمعية والاقتصادية المعقدة.
  2. رعاية الباحثين المحليين وتمكينهم: ينبغي على الجامعات في دول مجلس التعاون الخليجي أن تخلق بيئة من التعاون البحثي والتميز الفردي لتمكين الباحثين المحليين. ومع دعم من حكوماتها، يجب على الجامعات إطلاق مبادرات مثل تقديم إجازات للأكاديميين للتفرغ بشكل كامل لإجراء الأبحاث، أو تمويل مشاركة أساتذة الجامعات في المؤتمرات، أو إنشاء برامج تبادل أعضاء هيئة التدريس.
  3. تطبيق نموذج تمويل قائم على الأداء: لتحسين جودة الأبحاث التي تقودها الجامعات، تحتاج حكومات دول مجلس التعاون الخليجي إلى ترشيد وتوحيد تخصيص التمويل على أساس الأداء. ويعتمد التمويل التقليدي القائم على الأداء على أحد نموذجين: التحليل الببليومتري أو تقييم مراجعة الأقران.
  4. تعزيز الربط بين الجامعات والصناعات من خلال عوامل تمكين التسويق: يتعين على حكومات دول مجلس التعاون الخليجي توطيد أواصر التعاون بين الجامعات والقطاع الخاص. وهذا التعاون أمر بالغ الأهمية لنقل المعرفة بالطرق الرسمية وغير الرسمية. وتشمل الطرق الرسمية التعاقد على أنشطة البحث والتطوير، والسياسات، وإدارة الملكية الفكرية، والأنشطة المشتقة، بينما تشمل الطرق غير الرسمية استغلال نتائج الأبحاث التي تنشرها الجامعات في المجلات العامة.
  5. إنشاء إطار قانوني فعال للملكية الفكرية: تحتاج حكومات دول مجلس التعاون الخليجي إلى تحديث قوانين الملكية الفكرية الخاصة بها وبناء نظام قضائي داعم وفعال لتنفيذ هذه القوانين وتبسيط الإجراءات ذات الصلة. ومن شأن قوانين الملكية الفكرية الأكثر فعالية أن تساعد على تقليل إمكانية انتهاك براءات الاختراع وقضايا الشرعية، في حين ستنظر المحاكم المخصصة للملكية الفكرية في أي قضايا متعلقة بالملكية الفكرية.

واختتمت أليس خلاط، مديرة مركز الفكر، وهو المعهد البحثي التابع لاستراتيجي& ميدل إيست ”إن وجود بيئة بحثية محلية قوية سيكون له دور أساسي في تعزيز الابتكار على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي ومساعدتها على تحقيق النمو الاقتصادي المأمول. وعلى الحكومات الخليجية إطلاق مبادرات هيكلية لدعم هذه المنظومة بدءاً من الأوساط الأكاديمية، ولكن الأهم من ذلك، تعزيز فهم الطرق التي يمكن للأوساط الأكاديمية أن تُسهم بها في الارتقاء بالمجتمع والاقتصاد على حدٍ سواء. إلا إن التأثير الحقيقي سيتمخض من خلال التحلي بالمبادرة والتعاون المثمر بين الجامعات والشركات.“

Search form