فصول موجة الصعود في السوق الفرنسية لم تنته بعد ولكن....

الأربعاء 31 يناير 2018
كريستوفر ديمبيك

بقلم كريستوفر ديمبيك، رئيس قسم التحليل الشامل لدى ’ساكسو بنك

لا تزال الأمور إيجابية حتى الآن في سوق الأسهم الفرنسية. فقد سجل مؤشر ’كاك 40‘ أعلى مستوىً له منذ عام 2007، كما بلغ أعلى مستوياته التاريخية بعد أخذ عوائده المعاد استثمارها بعين الاعتبار. وبحسب توقعات عام 2018 لمؤشرات الأسهم الصادرة عن شركتي ’جلوباليكس‘/ ’زون فاينانس‘ (والتي ترصد التوقعات من أبرز مدراء الصناديق في باريس)؛ من المرجح أن يبلغ مؤشر ’كاك 40‘ مستوى 5725 نقطة في منتصف عام 2018، و5800 نقطة في نهاية العام. ومع ذلك، ينتاب بعض المستثمرين القلق حيال بدء البنوك المركزية بتطبيع سياستها النقدية. ونعتقد أن فصول موجة الصعود والانتعاش في السوق لم تنته بعد، ولكن يتوجب على المستثمرين بلورة فهم متعمّق حول المخاطر المتراكمة، وأن يدركوا بأن حدوث موجد تصحيح في السوق يمثل خطوة ضروريّة وصحيّة في آنٍ معاً.

عام 2017 كان ثاني أطول فترة إيجابية في السوق منذ الأزمة المالية العالمية

في جميع فترات عام 2017، أغلق مؤشر ’كاك 40‘ تداولاته عند نطاق ضيق يتراوح بين +1٪ / -1٪، وذلك على مدى 87٪ من أيام التداول الفعليّة. ومن المثير للدهشة أن يعتقد الكثير من المستثمرين، ومعظمهم من المستثمرين الأجانب، بأن الانتخابات الرئاسية الفرنسية شكلت عامل خطر رئيسي في هذا السياق.

من جهة ثانية، حافظ مؤشر ’في كاك‘ (VCAC)، الذي يقيس تقلبات مؤشر ’كاك 40‘، على مساره الهبوطي في عام 2017 مقارنة بمستويات الذروة التي بلغها في عام 2016 (39٪ مقابل ارتفاعٍ قياسي بلغ 78٪ عام 2008). ويبرهن ذلك على حدوث مبالغة واضحة في المخاطر السياسية بالنسبة للسوق الفرنسية؛ ونعتقد أن استمرار التقلب المنخفض جاء كنتيجة مباشرة لحالة شبه الاستقرار التي تشهدها السوق حالياً، إلى جانب سوء تخصيص رأس المال.

وبعد مراعاة الأرباح التي أعيد استثمارها، سجل مؤشر ’كاك 40‘ ثاني أطول فترة تداول إيجابيّة له منذ عام 2007. وخلال الفترة بين عامي 2007-2017، تم معادلة ذلك الأداء فقط في عام 2015؛ عنما شهدت الأشهر الخمسة الأولى من العام تسجيل عوائد شهرية إيجابية دون انقطاع. وبالنسبة للأداء خلال السنوات التي نمتلك بيانات بخصوصها (منذ عام 1988)، فإن أفضل مستويات الأداء تجلّت بوضوح في عام 1998 (فترة 6 أشهر حتى تسجيل أول شهر سلبي من حيث إجمالي العوائد)، والعام 2000 (8 أشهر). وكثيراً ما اختُتمت فترات التداول الإيجابيّة هذه بتسجيل موجات هبوطٍ حادة، ويشمل ذلك عامي 2000 و2015، عندما انخفض إجمالي عائدات مؤشر ’كاك 40‘ للشهر التالي على التوالي بنسبة 5.4٪ وبنسبة 3.8٪؛ وكذلك في العام الماضي، عندما كان الانخفاض أكثر محدودية (-2.6٪)؛ ثم أعقب ذلك تسجيل زيادة لمدة 5 أشهر متتالية.

ومع أخذ المخاطر الواضحة في السوق بعين الاعتبار (هذه المرة ليست مختلفة على عكس ما نرصده في معظم الأحيان)، سنحدد فيما يلي 4 أسباب تجعلنا نعتقد بأن الاتجاه التصاعدي سيستمر على الأقل في المدى المتوسط.

مؤشر ’كاك 40‘ يترقب الكثير من الفرص خلال المرحلة المقبلة

تأثير ماكرون: يمثل هذا العامل الأكثر شيوعاً بحسب الصحفيين والمستثمرين عندما نتحدث عن عودة فرنسا إلى وتيرة الأداء الصحي في السوق. ومع ذلك، فإنه من المبكّر جداً التنبؤ بالعواقب الاقتصادية والمالية الدقيقة المرتبطة بالإصلاحات الواعدة التي بدأت فعلياً. فبالنظر إلى سوق السندات، والتي تمثل دليلاً موثوقاً على توجهات المستثمرين، فإن تأثير انتخاب الرئيس ماكرون لم يُسفر عن تلك الدفعة القوية والمتوقعة في السوق. ونرى في الرسم البياني أدناه أن المستثمرين اليابانيين تجنبوا فرنسا وفضّلوا سوق السندات الألمانية بين نوفمبر 2016 وربيع 2017، وذلك بسبب حالة انعدام اليقين التي ارتبطبت بالانتخابات الرئاسية. وبعد فترة قصيرة، عاد الوضع إلى سابق عهده، كما انخفض صافي المشتريات الشهرية اليابانية (ألمانيا ناقص فرنسا) إلى مستوىً أقل بالمقارنة مع الذي تم تسجيله خلال فترة حكم الرئيس فرانسوا هولاند؛ علماً أن انتخاب ماكرون لم يحمل أي تأثيرات قوية يمكن رصدها في السوق.

وحتى الآن، اقتصر ما نسميه بـ ’تأثير ماكرون‘ غالباً على حدوث دفعة قوية من الثقة وحملات الاتصالات المُدارة جيداً لاجتذاب المستثمرين. ولأول مرة نتذكر أن فرنسا تحتضن مقومات السوق الرأسمالية والعولمة في آن معاً. ونعتقد بوجهٍ خاص أن هناك فرص ناشئة أمام المستثمرين الأجانب؛ حيث يتركز ذلك بوضوح في قطاع الشركات الناشئة في فرنسا FrenchTech))، وموجة الخصخصة التي ستستهدف الشركات ذات القيمة العالية في مختلف القطاعات (المطارات، صناعة السيارات، اليانصيب وغيرها)، إلى جانب تطبيق ضريبة أكثر ملاءمةً للمستثمرين. ونستنتج من ذلك طبيعة الاتجاه الذي تسلكه السوق الفرنسية، ولكن هذا لا يكفي لتفسير الطفرة التي شهدها مؤشر ’كاك 40‘ على مدى السنوات الماضية.

الدافع الائتماني: إلى جانب جولات التيسير الكمّي العالمية والأرباح القوية وتأثير انتخاب الرئيس ماكرون، شكل الدافع الائتماني عاملاً رئيسياً في تعزيز أداء مؤشر ’كاك 40‘. وقد وصل مؤشرنا الداخلي الخاص بالسوق الفرنسية إلى ذروته في أكتوبر 2016، ليشكل 3.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهو يتداول حالياً عند مستوى ثابت يبلغ 1.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وبما أن هذا المؤشر يرصد مؤشر ’كاك 40‘ لفترة 6 إلى 9 أشهر، تبقى جميع الأمور الأخرى على قدر المساواة، كما نتوقع استرار الاتجاه الصعودي لسوق الأسهم الفرنسية.  

لا خطر من التدهور الاقتصادي: نستبعد أي مبالغة في تقدير قيمة مؤشر ’كاك 40‘ بالمقارنة مع مؤشر ’ستاندارد آند بورز 500‘ الذي يحظى بقيمة كبيرة على أساس مختلف المقاييس، بما فيها نسبة السعر إلى الأرباح المعدلة دورياً (Shiller CAPE) ونسبة سوق الأسهم إلى مجموع تكلفة استبدال أصولها Tobin’s Q))؛ حيث بلغت نسبة السعر إلى الربحية في مؤشر ’كاك 40‘ مستوى 20.4 نقطة بنهاية ديسمبر 2017 مقابل 28 نقطة مطلع عام 2014.

وبالنظر إلى المكوّنات العميقة لهذا المؤشر، نؤكد أن حوالي ثلث أسهم المؤشر فقط سجلت تداولاً عند مستوى تاريخي مرتفع خلال الأشهر الماضية. ونرى أن هذا المشهد يتضمّن بعض الأسهم الداعمة للنمو (مثل أسهم مجموعة ’كيرينج‘ و’إل في إم إتش‘)، والأسهم الدفاعية (’دانون‘، ’بيرنود ريكار‘، ’فينشي‘)، إلى جانب الكثير من الأسهم الدورية (’إيرباص‘، ’سافران‘، ’ميشلان‘، ’شيدر‘، ’إير ليكيد‘). وبعبارة أخرى، نعتقد أن العديد من الأسهم لم تصل بعد إلى مستويات ارتفاعها القياسية؛ ونذكر في هذا السياق أسهم قطاعي البنوك والتأمين (أسعار أسهم ’بي إن بي باريباس‘ أدنى بنسبة 25٪ من أعلى سعر لها، أي أقل بأكثر من 60٪ من سعر أسهم شركة ’سوسيتيه جنرال‘)، إضافة إلى قطاع تصنيع السيارات والطاقة. ونؤكد بأننا لسنا في حالة من المبالغة في تقدير مكونات مؤشر ’كاك 40‘، ولكن لا يزال هناك مجال للتحسين وفرص قوية أمام العديد من الأسهم.

التحليل الفني داعم قوي على المدى الطويل: من وجهة النظر الفنية، تجاوز مؤشر ’كاك 40‘ عتبة رئيسية في مارس 2017 (بشكل خاص في منتصف حملة الرئاسة الفرنسية)؛ واستطاع كسر الاتجاه الهابط على المدى الطويل الذي بدأ في صيف عام 2000، وهو ما أعطى إشارة شراء هامة وقوية للمستثمرين على المدى الطويل.

وعلى المدين القصير والمتوسط، لا يزال أمام مؤشر ’كاك 40‘ مجال واسع لتحقيق مزيدٍ من الصعود؛ إذ أن المؤشرات الفنية لا تظهر علامات واضحة على حدوث موجة تصحيح وشيكة. ولكن قوة وسرعة هذا الاتجاه ليست مميزة أو واضحة كما الحال في الأسواق الأمريكية، ولكن المؤشرات لا تزال مؤثرة جداً؛ حيث يسجل مؤشر ’كاك 40‘ تداولاً فوق المتوسط المتحرّك لأجل 50 و100 يوم، أي فوق اتجاهه الهبوطي على المدى الطويل منذ عام 2000، علماً أن عناصر الدعم القويّة لا تزال تساند التوجه الفعلي للمؤشر.

ونعتقد أن المستوى المرتفع التالي الذي يمكن أن يمثل هدفاً متوسط المدى سيتراوح بين نطاق 5800/6000 نقطة.

واستناداً إلى ذلك، لا يزال من الصعب التبنؤ بأن الاتجاه سيواصل المضي بمسارٍ خطي؛ حيث أن أداء الأسواق العالمية مثير للإعجاب، ولا يقتصر ذلك على السوق الأمريكية فقط. ويدعو كثير من المحللين إلى موجة تصحيح ينظر إليها الجميع على أنها خطوة صحية في هذا السياق. ونعتقد أنه من غير الممكن التنبؤ بتوقيت حدوث تلك الموجة، ولكن ينبغي الأخذ بالاعتبار أن موجات التصحيح تأتي دائماً عندما لا يتوقع أحد حدوثها.

وثمة بعض العوامل التي يمكن أن تعزز فرص حدوث موجة تصحيح، مثل ارتفاع اليورو والتباطؤ الاقتصادي، تماماً كما نتوقع أن نشهد خلال المرحلة المقبلة. وعلى الصعيد الفني، يمكن لكسر المستوى 5425 في المدى القصير أن يشكل علامة التحذير الأولى لحدوث تلك الموجة. وعلى المدى المتوسط، فإن اختراق المستوى 5250 نقطة سيشكل اختباراً للاتجاه التصاعدي الحالي، كما سيمثل هدفا أولياً في حال تعرض السوق العالمية لموجة تصحيح.

المخاطر السلبية المحدقة بالسوق الصاعدة

مبالغة في تباطؤ النمو العالمي: يمثل ذلك عامل خطر كبير قد يفضي إلى حدوث موجة تصحيح في السوق. وقد أكّدنا على مدى عدة أشهر أن النمو على وشك التباطؤ، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى الصين، التي تمثل أكثر من ثلث القوة الدافعة للنمو العالمي.  ومن الواضح أن ذلك يمثل خطراً كبيراً يتربّص بسوق الأسهم، وهو ما لم يتم أخذه بالاعتبار على أكمل وجه. وبعبارة أخرى، نؤكد أن المخاطر تأتي من خارج مؤشر ’كاك 40‘، وليس من داخله. وقد أظهرت المؤشرات الصينية المفضلة لدينا بعض الهبوط، ويبدو أن البيانات الأخيرة الواردة من أسواق آسيا تؤكد على هذا السيناريو الذي نتبنّاه.  وحيث أن الجميع يتحدث عن نمو مرتفع ومتزامن، سجلت كوريا الجنوبية ناتج محلي إجمالي سلبي على أساس ربع سنوي للمرة الأولى منذ أزمة بنك ’ليمان براذرز‘ (-0.4٪ في الربع الأخير 2017). ولاشك أن التفسيرات السابقة ترتبط بتأثير عطلة التداول (وهو ما يؤثر على الصين أيضاً) والأعاصير الأمريكية (وهنا أيضاً، التأثير يطال الصين). ولكن الاختلاف الرئيسي مع كوريا الجنوبية يتمثل في أن الصين تمضي قدماً لتحقيق معدل نموّها الرسمي عند حوالي 7٪. ولا يوجد أي تأثير حقيقي أو ملموس لتلك الأحداث. ولكن ما حقيقة الأمر؟ في الواقع، نعتقد أن الصين إما أنها قد نجحت في تطوير سوقها المحلي بشكل أسرع مقارنة بالسابق؛ أو ينبغي اعتبار الرقم الأخير للناتج المحلي الإجمالي الصيني "مرجعاً" وليس كدليلٍ على الواقع الحقيقي.  

السعر غير المواتي لصرف اليورو في سياق الحرب التجارية:  يمثل ذلك ثاني أكبر تحدٍ مُحدقٍ بسوق الأسهم الفرنسية لهذا العام. في الواقع، لا يشكل المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس حدثاً محورياً في معظم الأحيان، فهو يقتصر على اجتماع وتواصل الكثير من الأطراف والمسؤولين، ولكن مع التركيز بشكل ضعيف على الأفكار المتعلقة بالسياسات الاقتصادية. ولكن المنتدى ناقش هذه المرة الكثير من الآراء والأفكار؛ فقد شكلت الحرب التجارية التي احتدمت بين الصين والولايات المتحدة وانخفاض الدولار أنباءً سيئة للغاية بالنسبة لسوق الأوراق المالية الأوروبية. ومع دخول الدولار الأمريكي في دورةٍ هبوطية طويلة الأجل، فإن ارتفاع اليورو قد يعني انخفاض الأرباح. وبشكل عام، فإن كل ارتفاعٍ بنسبة 10٪ في اليورو يدمّر حوالي 7٪ من أرباح الشركات في منطقة اليورو، وهو ما سيؤدي بنهاية المطاف إلى انخفاض سوق الأسهم.

الأداء غير الطبيعي للسوق:  كان الأداء غير الطبيعي للسوق أقل حدة بشكل عام مقارنة بما يجري في السوق الأمريكية. وكما هو الحال في سائر الأسواق، فقد تسببت إجراءات التيسير الكمّي بتشويه الأسعار. ولعل الحدث المالي الأبرز لنهاية عام 2017 تمثل بحصول شركة ’فيولا‘ الفرنسية العملاقة (التي تحمل تصنيف BBB) على أموال اقتراض؛ علماً أن هذا الموضوع لم يشهد الكثير من التعليقات أو التحليلات. ولا نعتقد أن ذلك يمثل حالة طبيعية للسوق على الإطلاق. وعند عدم وجود هيكلية إدارية جيدة، قد يكون الخروج من السياسة النقدية التيسيرية خطراً حقيقياً يُحدق بالمسار الصعودي للسوق، خاصة بعد انتهاء ولاية رئيس البنك المركزي الأوروبي دراجي في فبراير 2019. ولكن نعتقد أن ذلك يمثل حالة نداءٍ طويلة الأجل.

أخبار مرتبطة