تقرير "إندوسويس" : ارتباط عملات دول الخليج بالدولار الأمريكي يظل مرناً بالرغم من هبوط أسعار النفط

الإثنين 21 أغسطس 2017
بول ويتِّروالد، كبير المحللين الاقتصاديين في مجموعة اندوسويس لإدارة الثروات
دبي - مينا هيرالد:

نشرت شركة إندوسويس لإدارة الثروات، الذراع العالمية لإدارة الثروات التابعة لمجموعة كريديت أجريكول، ومقرها أبوظبي ودبي في الإمارات العربية المتحدة من خلال المكاتب التمثيلية لإندوسويس (سويسرا)، تقريرا بعنوان "تعليقات حول الاقتصاد الكلي"، حيث أبرزت الشركة كيف أن أرصدة الحسابات الجارية لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا)، لا سيما دول الخليج، لا تزال تعاني من انهيار أسعار النفط بين عامي 2014 ـ 2015.

فقد تحول الحساب الجاري للمملكة العربية السعودية من فائض إلى عجز قدره 8.3% في 2015. وفي الآونة الأخيرة، تجنبت المملكة عجزاً مزدوجاً في الربع الأول من عام 2017، حيث كشفت وزارة المالية السعودية عن عجز في الموازنة بنسبة 4٪ من الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي. وساعد انتعاش أسعار النفط على إعادة وجود فائض في الحساب الجاري. وقد حققت الصادرات مكاسب بينما تراجعت الواردات بسبب ضعف الطلب المحلي، مما أدى إلى فائض قدره 6 مليارات دولار أمريكي يرجع أساساً إلى عائدات الصادرات ذات الصلة بالنفط. وعلى الرغم من ذلك، أظهر حساب رأس المال تدفقات كبيرة تعكس إمكانية إعادة توزيع الثروة السيادية. واستمرت الاحتياطيات في الانخفاض خلال الفترة من يناير إلى مايو 2017، وبلغت الآن 499 مليار دولار أمريكي، أي بانخفاض قدره 247 مليار دولار عن ذروتها التي وصلت إليها في أغسطس 2014.

أما في البحرين فقد انكمش الفائض إلى 3.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي مقارنةً مع نظيره في عام 2014، وانهار فائض الكويت إلى 7.5٪ في عام 2015 (مقابل 45.5٪ في عام 2012). وقد عانى الأول من نفس مصير عُمان، حيث خفّضتْ العام الماضي الوكالاتُ الثلاث الرئيسية لتصنيفات الائتمان ديونَ عُمان إلى ما دون مستوى الاستثمار. ويبدو أن الأردن كان استثناءً حيث انخفض عجزه إلى 8.9٪ في عام 2015 من 15.2٪ في عام 2012.

وبالمثل، سجل عجز الحساب الجاري في مصر أدنى عجز له منذ عام 2014 في الربع الأول من عام 2017 بسبب ارتفاع الصادرات وانخفاض الواردات غير النفطية وتحسُّن الإيرادات الآتية من السياحة وتحويلات العاملين في الخارج. ويرجع ذلك جزئياً إلى انخفاض قيمة الجنيه المصري في نوفمبر الماضي، والذي تُرجم إلى بلوغ احتياطيات النقد الأجنبي 31 مليار دولار في يونيو، أي ضعف مستواها في يوليو 2016. وتحولت سلطنة عُمان إلى عجز في الحساب الجاري بنسبة 15.5٪ في عام 2015 من فائض بنسبة 10.2٪ في عام 2012. وأدى ذلك إلى تآكل احتياطيات البلد الخارجية إلى درجة أن تصنيف الدين العُماني كان "غير مرغوب فيه".

وفي سياق تعليقه على التقرير، قال الدكتور بول ويتِّروالد، كبير المحللين الاقتصاديين في مجموعة اندوسويس لإدارة الثروات: "بإمكان المملكة العربية السعودية الاعتماد على احتياطاتها التي لا تزال كبيرة وتبلغ قيمتها أكثر من قيمة واردات عامين. ومن شأن ذلك أن يسمح للسلطات مواجهة أي ضغوط على ارتباط عملتها بالدولار الأمريكي، ولكن لا ينبغي لها أن توقف أياً من جهود التنويع الاقتصادي والإصلاحات المختلفة التي كانت البلاد نشطة فيها في ظل توجيهات ولى العهد الجديد، صاحب السمو محمد بن سلمان. ويرجع ذلك إلى أن عملة البلد مرتبطة ارتباطاً تاريخياً بالدولار، ولا تستطيع تحمل عجز الحساب الجاري باستمرار. ولا تتمتع السعودية بميزة "الرسوم الدولية لسك العملة" التي تتمتع بها الولايات المتحدة، والتي يبلغ عجز حسابها الجاري 2.5٪ من ناتجها المحلي الإجمالي".

وأضاف ويتِّروالد: "بالإضافة إلى ذلك، لا تزال هناك شكوك كبيرة تحوم حول التأثير الحقيقي للإدارة الأمريكية الحالية على الاقتصاد العالمي. وتتمثل القضايا الرئيسية لاقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تعزيز الدولار الأمريكي، وتحويل العملة خارج الولايات المتحدة، وارتفاع أسعار الفائدة. ومن شأن هذه التطورات أن تؤثر سلباً على إعادة تمويل ديون بعض الدول التي تفتقر إلى إمكانية الوصول الطبيعي إلى الدولار من خلال تدفقات التصدير المنتظمة".

التعاون هو الأساس

توفر المبالغ الكبيرة من احتياطيات الدولار الأمريكي التي تحتفظ بها دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينا) سبباً لهذه الدول لكي تعمل معاً وتدعم بعضها البعض. وتتوقع شركة إندوسويس أن يسهم ذلك في إعادة النظر في ترتيبات أسعار الصرف في دول منطقة (مينا)، التي هي أبعد ما يكون عن نظام سعر الصرف العائم. ومع ذلك، أشارت شركة إندوسويس إلى أن الوقت لا يبدو مهيأً لهذه الدول للنظر في العملة الموحدة.

ويبلغ إجمالي احتياطيات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 875 مليار دولار أمريكي، تملك المملكة العربية السعودية أقل بقليل من 500 مليار دولار أمريكي منها. وعلى الرغم من أن ذلك المبلغ يبدو كبيراً للغاية، إلا أنه يبدو صغيراً للغاية أمام أرصدة البنوك المركزية المختلفة في الاقتصادات الناضجة. ففي 30 يونيو 2017، بلغت الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي 4.467 مليار دولار، منها 2.365 مليار دولار أمريكي سندات للخزانة الأمريكية و1.770 مليار دولار أمريكي أوراق مالية مدعومة بالرهن العقاري. وفي نفس التاريخ، بلغ حجم الميزانية العمومية للبنك المركزي الأوروبي 4.210 مليار يورو (4.800 مليار دولار)، وبلغت الميزانية العمومية للبنك المركزي السويسري 779.7 مليار فرنك سويسري (حوالي 780 مليار دولار أمريكي) في نهاية شهر مايو. أما بالنسبة لبنك انجلترا، فقد بلغت ميزانيته العمومية 423 مليار جنيه إسترليني (531 مليار دولار أمريكي) في 31 مارس 2017. وتتكون نسبة كبيرة جداً من هذه الأرقام من أوراق مالية قابلة للتداول، مما يعني أن تصرُّف تلك البنوك المركزية بجزء من هذه الأوراق المالية قد يكون له أثر على الأسواق المالية أكبر من أثر احتمال بيع السلطات النقدية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتلك الأوراق.

واختتم ويتِّروالد قائلاً: "إن رصيد الحساب الجاري لدولى ما يعطينا فكرةً عن مرونة عملته في أوقات الأزمات. وكلما كان التوازن أقوى، كلما قلّ الاحتياج إلى الاحتياطيات للدفاع عن العملة. وقد تدهورت أرصدة الحسابات الجارية في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على المستوى العالمي بالتزامن مع انخفاض أسعار النفط. وبالنظر إلى حجم احتياطات تلك الدول، فإن بيعها للحفاظ على ثبات ارتباط عملاتها بالدولار الأمريكي لا ينبغي أن يؤدي في حد ذاته إلى انهيار، على الرغم من احتمال أن يكون لذلك تأثير سلبي على الأسواق المالية. ولكي يحدث ذلك، سنحتاج إلى رؤية مستثمرين آخرين يبيعون في الوقت ذاته، إما بسبب سياسات نقدية خاصة بهم (على سبيل المثال البنوك المركزية للاقتصادات الناضجة) أو بسبب استراتيجيات إدارة المحافظ المالية من قِبَلِ كبار المستثمرين في القطاع الخاص".

Search form