بناء الشراكات المثمرة بين القطاعين العام والخاص في الإمارات

الإثنين 29 أكتوبر 2018
محمد باقر

بقلم: محمد باقر، نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في جلف ماركتنج غروب

يأتي النشاط الاستثماري المتزايد في جميع أنحاء إمارة دبي خلال الفترة التي تسبق معرض إكسبو 2020 ليوفر إمكانات هائلة لعقد مزيد من الشراكات بين القطاعين العام والخاص، من شأنها تعزيز القيمة في اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة ومجتمعها. ومؤخراً، حظيتُ بشرف حضور "مجلس دبي - منتدى كبار رجال الأعمال من أجل النمو الاقتصادي ذي التأثير العالي"[1]، حيث أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله" على أهمية الشراكة القوية مع القطاع الخاص لتحقيق تطلعات قطاعات الأعمال الطموحة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وقبل تحقيق هذه الفرصة المهمة، أعتقد أن الشركات الخاصة الإماراتية يجدر بها إعادة النظر في بعض المفاهيم القديمة حول كيفية بناء الشراكة الناجحة بين القطاعين العام والخاص.

بداية، سيكون من الخطأ افتراض أن كل شخص يمتلك تعريفاً واضحاً ومتسقاً عن نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وفي جوهره، يعد هذا النوع من الشراكة نموذجاً تعاونياً بين هيئة حكومية وشركة من القطاع الخاص يقدم فيه الأخير خدمات أو أصولاً ويديرهما. ويختلف التعريف المحدد ونطاق الشراكة بين القطاعين العام والخاص تبعاً للكثير من العوامل بدءاً من طبيعة الشراكة إلى البلد الذي ستعقد فيه الشراكة.

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، عرّفت الحكومة الشراكة بين القطاعين العام والخاص بأنها علاقة تعاقدية بين هيئة حكومية أو أكثر وبين شركة أو أكثر من شركات القطاع الخاص، يتم فيها تحديد مسؤوليات كل طرف من خلال أدوارهما الفردية في الشراكة. وفي أواخر 2015، أقرت حكومة دبي قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتقدم بذلك إطاراً قانونياً للكيانات العامة والخاصة التي تنوي الدخول في اتفاقيات شراكة فيما بينها.

وبمعزل عن التعريف الثابت لماهية نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص؛ يتعين على الشركات الخاصة أن تتحلى بالواقعية فيما يخص القيمة التي تقدمها لهذه الشراكات. ففتح باب الشراكات بين القطاعين العام والخاص يسهم في تمكين الحكومات من تسخير قدرات الشركات المتخصصة، ربما لفترة زمنية معينة، في خدمة تطلعاتها وبرامجها. وعلى سبيل المثال، من الطبيعي أن يعمل توظيف خبرات وقدرات القطاع الخاص على تحقيق الأهداف المتعددة لـ "رؤية الإمارات 2021". ففي حالات مثل معرض إكسبو 2020 دبي الدولي، يمكن للحكومة الاستفادة من القدرات التي أثبتتها الشركات الخاصة صاحبة الخبرة في مجالات النقل والبنية التحتية وخدمة العملاء وما شابه ذلك، دون الحاجة إلى الاستثمار في بناء هذه القدرات من الألف إلى الياء.

هناك العديد من القطاعات التي يمكن من خلالها إبرام الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وبصرف النظر عن الأمثلة المعروفة كما في المرافق العامة ووسائل النقل، فإن الشراكات في قطاعات البيع بالتجزئة تتزايد أهميتها بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة. وقد أشارت دراسة أجرتها "كولييرز انترناشونال" مؤخراً إلى أنه في مدن مثل دبي، يمكن للمطورين تحقيق عوائد استثنائية بنسب تتراوح بين 15٪ و20٪ من عمليات البيع بالتجزئة في المجمعات الجديدة متعددة الاستخدامات. هذا وستوفر أبرز مشاريع التطوير العقاري الكبيرة في دبي لاسيما في "دبي جنوب" و"ون سنترال" و"دبي هاربور" عروضاً جذابة لقطاع التجزئة والتي ستشكل أساساً لنجاح هذه المشاريع على المدى الطويل. هنا بالذات، تتجلى أهمية تقديم نموذج شراكة بين القطاعين العام والخاص يقوم على مشاركة المخاطر وتوحيد الموارد وتطوير دورة عائد استثمار أكثر جاذبية.

وفي الوقت الذي تشكل فيه الشراكة بين القطاعين العام والخاص أداة قوية لمستقبل مزدهر ومستدام، فإنها عملية لا تخلو من بعض المخاطر أيضاً. وعادة ما تتعلق هذه التحديات بمسائل الشفافية والمساءلة. لذا، يتحتم علينا الإجابة عن بعض التساؤلات مثل: هل تم اعتماد الأداء والمكافآت والعقوبات كمعايير للجودة مقابل تسليم المشروع في الوقت المناسب؟ هل تتسم الشراكات بالمرونة الكافية لاستيعاب التعديلات في الاستراتيجية المتبعة، وهل تم تحديد الميزانيات وفقاً لعائد الاستثمار طويل الأجل بدلاً من تفضيل عروض الأسعار الأولية المنخفضة التكلفة؟

أعتقد أن تبوء دولة الإمارات العربية المتحدة مكانة متقدمة على صعيد الشراكة بين القطاعين العام والخاص أتاح لها تنفيذ أفضل الممارسات في مواجهة هذه التحديات - على المستويين الإقليمي والعالمي. وفي ظل تبني الحكومة الإماراتية نهج الشراكة بين القطاعين العام والخاص على أعلى المستويات، بات على القطاع الخاص اغتنام هذه الفرص المثالية واستكشاف المجالات المتاحة لعقد هذه الشراكات.

 

Search form