"اليونان: مسرحية هزلية لم تنتهِ فصولها ..."

السبت 05 أغسطس 2017
كريستوفر ديمبك، رئيس قسم التحليلات الشاملة - ساكسو

بقلم: كريستوفر ديمبك، رئيس قسم التحليلات الشاملة - ساكسو

تمثّل عودة اليونان إلى الأسواق المالية إنجازاً مهماً للعلاقات العامة بالنسبة للدولة، ومن شأنها تعزيز موقف المؤيدين لإيجاد مَخرج من برنامج المساعدة المالية في العام المقبل، ومنهم حزب ’سيريزا‘. ومع ذلك، يبدو هذا الخيار بعيداً تماماً عن الواقع في ضوء احتياجات التمويل في الدولة، والتي يتوقع أن تصل إلى 19 مليار يورو تقريباً في عام 2019، ما لم توافق أثينا على معدلات اقتراض مرتفعة من شأنها زيادة المديونية وتقييد نمو الناتج المحلي الإجمالي المحتمل. وفي حقيقة الأمر، تواجه اليونان ثلاثة خيارات محتملة بمجرد انتهاء خطة المعونة الحالية في أغسطس 2018، وهي: اعتماد برنامج تسوية اقتصادي رابع، أو تمديد فترة استحقاق القروض، أو اعتماد خصم من القيمة السوقية للديون الإسمية.

برنامج تسوية اقتصادي رابع:

وهو أقل الحلول تفضيلاً نظراً لاحتمال دوره في دفع الدائنين الأوروبيين نحو تقديم المزيد من الأموال إلى اليونان بعيداً عن معالجة المشكلة الأساسية المتمثلة في زيادة الدين العام (ما يقارب 180% من الناتج المحلي الإجمالي في الوقت الحاضر، بالمقارنة مع 146% في عام 2008(؛ وسيتطلب ذلك من الحكومة اليونانية تنفيذ المزيد من تدابير التقشف التي لم تثبت حتى الآن آثارها الإيجابية على الاقتصاد. ومن شأن ذلك إضعاف موقف ألكسيس تسيبراس، رئيس الوزراء اليوناني، وزيادة المخاطر السياسية في أوروبا.

تمديد فترة استحقاق القروض

وهو الحل السياسي الأكثر احتمالاً على المدى المتوسط. وتم تنفيذه جزئياً في ضوء عزم الدولة على تسديد فوائد القروض الثنائية اعتباراً من عام 2020 فصاعداً؛ ولكنه لا ينطبق على قروض صندوق الاستقرار المالي الأوروبي (EFSF) وآلية الاستقرار الأوروبية (ESM). وكما هي الحال، تدفع اليونان أسعار فائدة إلى دائنيها الأوروبيين بمستويات أعلى من تلك التي اقترضوها. ومن خلال تمديد فترة استحقاق القروض، ستتمكن اليونان من استعادة بعض الفرص دون فرض أي تكاليف إضافية على المواطنين والدول الأوروبية طالما بقيت أسعار الفائدة التي يتعين تسديدها أعلى من تكلفة الدائنين لإعادة التمويل.

خصم من القيمة السوقية للديون الإسمية:

ويعتبر الحل الأكثر جذرية وواقعية في ضوء الوضع الاقتصادي والمالي. وبشكل واضح، من الخطأ اعتبار خصم القيمة السوقية للديون اليونانية حالة معينة بحد ذاتها. وتبدو إعادة هيكلة الديون السيادية حالة أكثر تكراراً مما يُعتقد. وفي الفترة بين عامي 1950 و2010، تم التفاوض على 186 عملية تبادل للديون مع المؤسسات المالية وحملة السندات، و447 اتفاقية ثنائية مع نادي باريس. وفي حالة اليونان، تنطوي عملية خصم القيمة السوقية على استئناف كامل لحساب استدامة الدين التي أجراها صندوق النقد الدولي في عام 2010، والتي أدت إلى وضع خطة للحد من الدين العام من 175% إلى 120% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 عبر تشكيل فائض أساسي في الميزانية بنسبة 3% على الأقل سنوياً.

وينطوي هذا التحليل على مشكلتين أساسيتين؛ أولاً – خلصت العديد من الدراسات التجريبية الأخيرة، مثل دراسة مندوزا وأوستري (« International evidence on fiscal solvency: Is fiscal policy responsible? », Journal of Monetary Economics, vol. 55, 2008)، إلى أن ارتفاع مستوى الدين كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي يؤدي إلى زيادة صعوبة إيجاد توازن أولي كفيل بالعودة إلى الاستدامة. وعلى النحو الذي يظهره مثال اليونان، لم يلعب فائض الميزانية الأساسي لأكثر من 3% دوراً كبيراً في تخفيض الدين كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن تأثيراته الاقتصادية السلبية مثل تقييد النمو الاقتصادي. وثانياً – لا يأخذ هذا التحليل بالحسبان العديد من العوامل الاقتصادية الكلية والمهمة لاستباق مسار الديون، مثل التضخم والنمو. وفي نهاية المطاف، يتخطى نطاق السؤال ضرورة وجود خصم من القيمة السوقية إلى إمكانية إجراء مثل هذا الخصم قانونياً، ومقدار هذا الخصم.

وخلافاً لما يشار إليه في العادة، لا يشكل خصم القيمة السوقية للديون الإسمية انتهاكاً لشروط عدم الإنفاذ الواردة في المادة 125 من معاهدة لشبونة. وفي حكمها الصادر في مارس 2011 حول قضية برينجل، أوضحت محكمة العدل الأوروبية مشروعية المساعدة المالية بين الدول الأعضاء للحفاظ على استقرار منطقة اليورو ككل، مما يمنح آلية الاستقرار الأوروبية الضوء الأخضر. وفي حال لم تُحظر إعادة الهيكلة القانونية للسندات اليونانية التي تحتفظ بها الدول الأوروبية، يبقى السؤال المتعلق بالسندات التي يمتلكها البنك المركزي الأوروبي (والبالغة 27 مليار يورو تقريباً) دون إجابة.

وهناك طريقتان لحساب حجم خصم القيمة السوقية أولهما بناء نموذج ملاءة ثابتة يستند إلى ثلاثة ثوابت: معدل الفائدة الإسمي، ومعدل النمو الحقيقي، والفائض الأولي المتوقع. ويتجلى وجه القصور لهذا الأسلوب في أنه لا يأخذ بالحسبان أي ظروف استثنائية أو أسعار صرف أو مخاطر لأسعار الفائدة على المدى البعيد. وبدلاً من ذلك، ينبغي استخدام النتائج كمعيار في عملية إعادة الهيكلة. وهذا هو السبب الذي دعا خلال السنوات القليلة الماضية إلى اعتماد أسلوب ثانٍ يستند إلى استهداف عتبة دين محددة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي. وفي حالة اليونان، يمكن تطبيق هدف صندوق النقد الدولي عند 120% من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن من الضروري التمييز بين الديون التي يمكن إعادة هيكلتها (تلك التي يحتفظ بها العامة من الدائنين الأوروبيين) وتلك التي لا يمكن إعادة هيكلتها (مثل تلك التي يمتلكها صندوق النقد الدولي). وتتم الحسابات كما يلي:

الخصم الفاعل للقيمة السوقية = [الدين الحالي كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي – عتبة الدين المستهدف كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي] / الدين المؤهل كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي

استناداً إلى مشاركة الدول الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، من الضروري التوصل إلى خصم فاعل للقيمة السوقية بنسبة 88% (180-120)/ 68=0.88 ، لتحقيق معدل دين بنسبة 120% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي حال عدم مشاركة البنك المركزي الأوروبي، سيكون الخصم الفاعل للقيمة السوقية هو 100%، وهو أمر مستبعد كلياً.

وينبغي أن يكون خصم القيمة السوقية للديون الإسمية مشروطاً بتنفيذ مجموعة من الإصلاحات الرئيسية وتطبيقها عبر إطار دولي قائم ومعروف باسم ’مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون‘، والتي يمكن تكييفها بسهولة بما يلائم السياق الأوروبي. ومنذ إنشائها في عام 1996 (وتعديلها في عام 1999)، ساعدت هذه المبادرة 36 دولة، معظمها في أفريقيا، ممن استفادت من شطب ديون بنسبة وصلت حتى 90 بالمائة.

وتتجلى آخر المشاكل التي أثارتها مسألة خصم القيمة السوقية للديون اليونانية في المخاوف من التكاليف التي يتكبدها الدائنون الأوروبيون. وخلافاً لما هو معتقد، ستكون محدودة نسبياً ويمكن التحكم بها؛ ومن باب أولى في سياق انخفاض أسعار الفائدة نتيجة للإجراءات التي اتخذتها البنوك المركزية وفائض السيولة العالمية في السوق. وبالرغم من التشدد النقدي في الولايات المتحدة الأمريكية، يتوقع معهد التمويل الدولي استمرار نمو سيولة البنك المركزي بمعدل سنوي يعادل 2% من الناتج المحلي الإجمالي، قبل أن يبدأ بالانخفاض بعد عام 2019. وفي حقيقة الأمر، فإن الخوف من انخفاض السيولة في السوق أمر مبالغ فيه بالتأكيد على المدى المتوسط.

وعلاوة على ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الدولة تسدد عملياً الفائدة على القروض، ولكنها لا تسدد القرض بحد ذاته. ونتيجة لذلك، فإن التكلفة الحقيقية والفورية للدول الأوروبية ستتكون من خسارة مدفوعات الفائدة التي قدمتها اليونان على القروض (فائدة بمعدل وسطي 1.5%) وتكلفة إعادة تمويل القروض المستخدمة لمساعدة أثينا. وتعتبر التكلفة الاقتصادية المرتبطة بخصم القيمة السوقية للديون الإسمية منخفضة جداً بالمقارنة مع الآثار الجيوسياسية الناجمة عن الانهيار البطيء لليونان.

أخبار مرتبطة