السلع الأساسية تتراجع نتيجة لأجواء التوتر التي تسود التجارة العالمية

الأحد 11 مارس 2018
أولي هانسن

بقلم أولي هانسن ، رئيس استراتيجية السلع لدى ’ساكسو بنك‘

ساهمت أجواء التوتر السائدة في حركة التجارة العالمية بتراجع أسعار السلع الرئيسية على نطاق واسع. ويمكن للمخاوف الناجمة عن احتمالات نشوب حرب تجارية أن تسبب ضرراً بالغاً على توقعات النمو العالمية، وبالتالي حدوث تراجع كبير في الطلب على المواد الخام. وهبطت أسعار المعادن الصناعية إلى أدنى مستوياتها خلال أسبوعين، بينما انخفضت أسعار النفط بالتزامن مع انتقال التركيز نحو ارتفاع مخزوناته، في حين بدأت عمليات جني أرباح المحاصيل الزراعية الرئيسية في أعقاب الارتفاع الأخير الذي شهدته أسعارها نتيجة للأحوال الجوية القاسية.

وتم تداول أسهم النفط الخام عند أدنى مستوى وصل إليه خلال شهر يناير الماضي. وفي الوقت الذي تأرجحت فيه أسعار النفط بين الانخفاض والارتفاع في أسواق الأسهم، تم دعم الاتجاه التصاعدي المتواصل بين المضاربين بفضل مستويات الطلب العالمية القوية. وبالرغم من ذلك، ما زال النفط الخام يواجه تحدياً صعباً يتمثل في ارتفاع إمدادات الدول غير الأعضاء في ’أوبك‘، ويضاف إلى ذلك أجواء التوتر التي أشرنا إليها آنفاً.

كما سعى الذهب للحصول على الدعم بعد إخفاقه للمرة الثانية خلال أسبوعين في تخطي عتبته السعرية التي بلغت 1340 دولاراً أمريكياً للأونصة. وأبدى الذهب مزيداً من الضعف قبل وبعد صدور النتائج الإيجابية لـ ’تقرير الوظائف الأمريكية‘، وفي أعقاب انتعاش الآمال المتعلقة بتخفيف حدة التوتر بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية والتي ساهمت في انخفاض الين الياباني في مواجهة الدولار. ويمكن للقاء المرتقب في شهر مايو بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والكوري الشمالي كيم جون أون أن يسهم في تحقيق تطور إيجابي يتمثل في تخفيف أجواء التوتر النووي في شبه الجزيرة الكورية. 

من ناحية ثانية، يشكل نمو معدلات إنتاج النفط في الدول من خارج منظمة ’أوبك‘ تحدياً كبيراً يعرقل مساعي دول المنظّمة وروسيا للحفاظ على استقرار الأسعار، وذلك على الأقل في المدى القصير. وكانت ’إدارة معلومات الطاقة‘ الأمريكية قد رفعت في تقريرها الشهري ’توقعات الطاقة قصيرة الأجل‘ سقف توقعاتها حول إنتاج النفط في الولايات المتحدة لعام 2018 إلى 10.7 ملايين برميل يومياً، أي بزيادة قدرها 1.4 مليون برميل يومياً بالمقارنة مع العام 2017. وساهمت ’إدارة معلومات الطاقة‘ الأمريكية أيضاً في تصعيد أجواء عدم الارتياح عندما أشار تقريرها ’النفط 2018‘ إلى أن نمو إنتاج النفط في الولايات المتحدة، والبرازيل، وكندا، والنروج يمكن أن يتجاوز معدلات نمو الطلب بحلول العام 2020. 

وخلال الأسبوع المنتهي بتاريخ 27 فبراير، قامت صناديق التحوّط برفع سقف توقعاتها للعقود طويلة الأمد والمتعلقة بخام برنت وخام غرب تكساس للمرة الأولى خلال 5 أسابيع بواقع 36 ألف حصة ليصل عدد الحصص إلى مليون حصة، وذلك بعد خفضها بنسبة إجمالية بلغت 133 ألف حصة خلال الأسابيع الأربعة الماضية. وأدت قاعدة المراكز القصيرة المتضائلة إلى تسجيل ارتفاع آخر في نسبة مراكز التداول قصيرة/ طويلة الأجل إلى مستوى قياسي عند 12.6 نقطة. ويسلط ذلك الضوء على مخاطر الاتجاه الهبوطي للنفط فيما إذا أصبحت التوقعات الفنية و/ أو الأساسية أقل ملائمة.

وتواصل ’إدارة معلومات الطاقة‘ الأمريكية رفع توقعاتها الخاصة بزيادة إنتاج الدول من خارج منظمة ’أوبك‘ في الوقت الذي تحافظ معدلات الطلب فيه على استقرارها. وستقوم كل من ’إدارة معلومات الطاقة‘ ومنظمة ’أوبك‘ بإصدار تقاريرها الشهرية خلال الأسبوع القادم في يومي 14 و15 مارس المقبل.

وبالنظر إلى المرونة العالية التي أبداها المستثمرون المضاربون مؤخراً، فمن غير المرجح بالنسبة لهم بأن يقلقوا بشأن الإجراءات التصحيحية الأعمق طالما بقيت أسعار نفط خام برنت فوق عتبة 61 دولاراً أمريكياً للبرميل و57.50 دولاراً أمريكياً بالنسبة إلى خام غرب تكساس الوسيط. وتشكّل هذه المستويات إجراءً تصحيحياً بنسبة 38.2% عمّا كانت عليه الأسعار في الفترة بين شهري يونيو ويناير الماضي. وعند ارتفاع النفط فوق نطاقاته السعرية الحالية، فسيتم النظر إليها على أنها إجراءات تصحيحية ضعيفة ضمن إطار التوجه الصعودي القوي.

وفي الوقت الراهن، استقر برميل خام غرب تكساس عند نطاق سعري يتراوح بين 60-65 دولاراً أمريكياً للبرميل، حيث تؤثر الأحداث التي تقع خارج نطاق السوق على تأرجحاته السعرية اليومية. بينما ينطوي الإغلاق على سعر يقل عن 60 دولاراً أمريكياً للبرميل على مخاطر تمدد الاتجاه الهبوطي المشار إليه آنفاً إلى السعر الأساسي البالغ 57.50 دولاراً أمريكياً للبرميل. 

واستقرت أسعار الذهب عند فارق سعري يبلغ 40 دولاراً، حيث تراوحت الأسعار بين 1300-1340 دولاراً أمريكياً للأونصة نتيجة للارتفاع الذي شهدته العوائد الحقيقية للسندات الأمريكية مؤخراً والتي يقابلها التأثير الإيجابي للين الياباني القوي. بينما لعبت التقلبات الكثيرة في أسواق الأسهم دوراً كبيراً في التغيرات التي شهدتها أسعار الذهب مؤخراً. وساهم إعلان الرئيس ترامب الخاص بفرض تعريفة جمركية على الواردات في هبوط أسعار الأسهم وارتفاع أسعار الذهب لفترة قصيرة، قبل أن تتراجع مرة أخرى مع تعافي أسواق الأسهم نتيجة لصدور نسخة مخففة من الإعلان. 

العوائد الحقيقية للسندات الأمريكية - يبين الرسم البياني التالي بأن العوائد التي يمكن الحصول عليها بعد التضخم ازدادت بمقدار الضعف تقريباً منذ بداية العام الحالي. وتم التعويض عن هذه التطورات السلبية التي طالت أسعار الذهب من خلال التراجع الذي شهده الدولار الأمريكي أمام العملات، وخاصة الين الياباني. 

ويضاف إلى مزيج التحديات صدور ’تقرير الوظائف الأمريكية‘ الأخير قبل اجتماع ’لجنة السوق المفتوحة الاتحادية‘ الذي سينعقد في يوم 21 مارس الحالي. ويظهر هذا التقرير المعتدل نمواً قوياً في الوظائف وانخفاضاً في معدلات التضخم، مما يفسح المجال واسعاً أمام إمكانية إجراء رفع سادس لأسعار الفائدة واحتمالات أن تشهد مزيداً من الارتفاع في ضوء التوجيهات القادمة. وكانت عمليات رفع أسعار الفائدة الأمريكية التي تمت خلال وقت سابق من الدورة الحالية والتي بدأت منذ شهر ديسمبر 2015 قد أدت حتى الآن إلى تكرر حالات ضعف أسعار الذهب قبل اجتماع ’لجنة السوق الفدرالية المفتوحة‘ لترتفع بعده بقوة بمجرد الإعلان عن رفع أسعار الفائدة. 

ومن غير المرجح للارتفاع المستمر في أسعار الفائدة أن يعيق قدرة الذهب على الارتفاع، ولا سيما إذا كانت عمليات رفع أسعار الفائدة ناجمة عن أنماط خاطئة من التضخم، مثل تلك الناجمة عن ارتفاع الأسعار نتيجة رفع التعرفة الجمركية على الواردات بدلاً من التضخم المستند إلى مستويات الطلب. 

وبناء على ما سبق، فإننا نحافظ على وجهة نظر إيجابية تجاه الذهب، ولا سيما بالنظر إلى قدرته على تحمل الصعود الأخير المفاجئ لعوائد السندات الأمريكية. ومن المرجح أن يستمر طابع النطاق المحدد لأسعار الذهب حتى الفترة التي تسبق اجتماع ’لجنة السوق المفتوحة الاتحادية‘ المزمع عقده يوم 21 مارس الحالي مع بعض المخاوف من رفع أسعار الفائدة والتي تقابلها أجواء التوتر السائدة في التجارة العالمية. 

من جانب آخر، يشهد تداول المعادن الصناعية باستثناء النيكل انخفاضاً على مدار العام نتيجة للمخاطر المتعلقة بالحروب التجارية، والتي تضاف إلى المخاوف المرتبطة بالتوقعات قصيرة إلى متوسطة الأمد والخاصة بمعدلات النمو والطلب في الصين. ويأتي ذلك في وقت يمكن لانتقال الصين فيه من النموذج الاقتصادي القديم إلى نموذج جديد وأقل كثافة في السلع أن يؤثر سلباً على معدلات الطلب.  

وبدأ الزخم القوي الذي شهدته عقود النحاس بعد هبوطه إلى أدنى مستوياته خلال العام 2016 بالتلاشي خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث كافحت أسعار النحاس للارتفاع فوق عتبة 3.30 دولاراً أمريكياً للرطل، وهو ما يشكل تراجعاً بنسبة 50% عن الارتفاع الذي شهدته عمليات البيع في الفترة بين عامي 2011 - 2016. ولايزال السعر عالقاً ضمن نطاق دعم يقل بشكل طفيف عن 3 دولارات أمريكية للرطل.  

السلع التي حققت أفضل أداء خلال الأسبوع:

انتعشت أسعار الغاز الطبيعي خلال الأسابيع القليلة الماضية لتبلغ 2.50 دولار أمريكي / وحدة حرارية، وذلك في أعقاب الدعم القوي الذي تلقاه نتيجة للانخفاض الكبير في درجات الحرارة خلال الشتاء الحالي على نحو يفوق المعتاد، مما ساعد في التعويض عن معدلات الإنتاج القياسية.

وصلت أسعار الكاكاو - والتي ارتفعت بنسبة 30% منذ بداية العام، إلى أعلى مستوياتها خلال فترة 16 شهراً، حيث أشار مجلس الكاكاو في جمهورية ساحل العاج إلى نجاحه في بيع كميات ضخمة من حبوب الكاكاو في الوقت الذي يعاني فيه هذا المحصول من الجفاف.

تلقى القطن دعماً قوياً بفضل الارتفاع غير الاعتيادي في معدلات الطلب وازدياد نسبة الجفاف في ولاية تكساس الأمريكية والذي يمكن أن يؤدي إلى حدوث مشاكل في زراعة المحصول. وتشير أحدث التقارير الصادرة عن وزارة الزراعة الأمريكية حول المخزونات والطلب إلى أن هذه العوامل ساعدت فعلياً في ارتفاع الأسعار نتيجة لإجراء تعديلات هبوطية لمخزونات القطن النهائية الأمريكية.

كما قدّم التقرير دفعة قوية لأسعار الذرة نظراً للانخفاض القوي والمفاجئ في المخزونات المحلية نتيجة لارتفاع معدلات الطلب على الصادرات في أعقاب الظروف الجوية القاسية والجافة والتي أعاقت عمليات جني المحاصيل في الأرجنتين، ثالث أكبر مصدري الذرة وفول الصويا على مستوى العالم. 

وجاء الزخم القوي الذي تلقاه قطاع الحبوب وفول الصويا منذ منتصف شهر يناير الماضي مدفوعاً بدرجة كبيرة من عمليات المضاربة. وخلال فترة ستة أسابيع والممتدة بين يومي 16 يناير إلى 27 فبراير، انتقلت صناديق التحوّط من حيازة مزيج مجمّع من عقود التداول المستقبلية قصيرة الأجل لستة أنواع من الحبوب وفول الصويا وذلك بمعدل 480 ألف حصة إلى المراكز الصافية طويلة الأجل بمعدل 250 ألف حصة. ونظراً لإرساء الكثير من العقود طويلة الأجل مؤخراً، فقد جاءت مخاطر التصحيح مرتفعة في التقرير الشهري الخاص بمستويات العرض والطلب. ونتيجة لذلك، فقد بدأت عمليات جني الأرباح لسلعتي القمح وفول الصويا بعد أن أثبتت البيانات بأن الدعم الذي تتلقاه كان دون التوقعات.

أخبار مرتبطة