الدخل الثابت: الصين ترسم ملامح المرحلة

الثلاثاء 10 أكتوبر 2017
سايمون فاسدال

بقلم سايمون فاسدال، رئيس قسم تداول الدخل الثابت في ’ساكسو بنك‘

بات العالم مكاناً مختلفاً تماماً عما كان عليه في بداية الربع الثالث عندما سادت مخاوف حدوث تباطؤ عالمي. ولكن الأسواق أثبتت أنها تتحلى بمرونة مذهلة بالرغم من تصاعد التوترات الجيوسياسية. والآن، إذ نقف على أعتاب الربع الأخير من العام، يبدو المستقبل – وخاصةً بالنسبة للصين – مشرقاً بشكل غير متوقع.

"في أسواق السندات، شهدنا امتداداً للبيئة الخصبة التي شهدناها خلال معظم فترات عام 2017"

"يمكن للاعتماد على الاتجاه الواحد الذي تسلكه الأسواق الناشئة أن يكون سيئاً للغاية إذا ما شهدنا ارتفاعاً مفاجئاً في العائدات الأمريكية"

"تكاد مرونة السوق أن تكون ملحميةً بحق"

تعتبر نهاية الربع الثالث من العام بمثابة الوقت المناسب لتقييم التطورات الأخيرة في أسواق الدخل الثابت وأيضاً لمقارنة طريقة تطور الأمور مع ما كان متوقعاً.

ومن الإنصاف القول بأن تطورات السوق كانت إيجابيةً في المرحلة الأخيرة من الربع. وحظيت الأصول ذات المخاطر العالية والأسهم والسندات ذات العوائد المرتفعة بدفعة أخرى نحو الأمام بالرغم من تصاعد حدة التوترات الجيوسياسية خلال الفترة الأخيرة. وتكاد تكون مرونة السوق ملحميةً بحق.

لقد دخلنا الربع الثالث على خلفية إيجابية، وبدت أوروبا في وضع أفضل، حيث لعبت الكثير من عوامل السياسية والجيوسياسية دوراً أقل أهميةً مع نهاية الربع الثالث وأصبحت صفقات التداول ذات شهية المخاطر المرتفعة أكثر أهميةً.

ولم تتحقق مخاوفنا بأن يصبح الدافع الائتماني المنخفض بمثابة عامل تحفيز من المحتمل أن يؤدي لتباطؤ الاقتصاد العالمي، فضلاً عن الخوف من أن تكون الصين هي الأكثر عرضةً لانخفاض الدافع الائتماني لتصبح بالتالي بمثابة المحرك الرئيسي لهبوط مؤشرات النمو.

وفي أسواق السندات، شهدنا امتداداً للبيئة الخصبة التي شهدناها خلال معظم فترات عام 2017. وأدى الانخفاض المستمر للعائدات جنباً إلى جنب مع بيانات الاقتصاد الكلي العالمي الإيجابية وانخفاض مستويات التضخم والتقلبات إلى نشوء أساس لعائدات كبيرة في العديد من الفئات الفرعية لسوق السندات. ومثلت الأسواق الناشئة أكبر المفاجآت مع تسجيلها لعوائد قياسية منذ بداية العام لغاية الآن، حتى لو كان هنالك إجماع على أنها ستكون ضعيفةً خلال عام 2017 بسبب سياسات ترامب وهبوط السلع.

نهاية البراءة

مع دخولنا في الربع الرابع من العام، نشهد خلفيةً إيجابيةً عند النظر إلى المعنويات الاقتصادية العالمية الإجمالية، حيث يجدر بنا ملاحظة الارتفاع الأخير في مؤشرات النمو المفاجئ.

وفي حين كانت الصورة الإجمالية لمؤشرات النمو خلال عام 2017 مخيبةً للآمال، مثّل الربع الأخير مفاجأةً إيجابية، لنشهد تطورات الأصول ذات المخاطر العالية والأسهم والسندات ذات العوائد المرتفعة.

وبشكل عام مثلت هذه الأمور خلفيةً إيجابيةً لدخول الربع الرابع، ولكن هل يعني هذا أنه لا يوجد أي شيء يدعو للقلق؟ حسناً، يمكننا أن نرى تطوراً إيجابياً معتدلاً ومستمراً بالنسبة للأصول ذات المخاطر العالية، وهذا سيكون السيناريو الرئيسي بالنسبة لنا. ولا يزال هناك مجال لحدوث ارتفاع، حيث يتحرك الاقتصاد العالمي بشكل أكبر نحو الحالة الإيجابية. ولكن التطورات الإيجابية أثارت مرةً أخرى مشاعر الخوف من احتمال حدوث ضغوط تضخمية. وبالنسبة للفترة الحالية، فإن السلع الأكثر استقراراً والتضخم الصيني هي فقط من يتجه للارتفاع، ولكن يمكن أن يتغير هذا الأمر مع مرور الوقت بالرغم من إيماننا في الوصول إلى عالم خالً من العوائق ومدفوع بالقدرة على التوسع والتحول الرقمي والعولمة.

وتمت ملاحظة هذه التطورات الإيجابية، كما أدى الارتفاع الأخير في العائدات الأوروبية والأمريكية الأساسية والموقف الأقل اعتدالاً الذي اتخذه مجلس الاحتياطي الفدرالي إلى تجدد الإيمان بزيادة العائدات في المستقبل.  وسيعود الفضل في جميع هذه الأمور إلى مسألة ما إذا كنا سنشهد تطوراً إيجابياً مستمراً على الصعيد العالمي، وما إذا ظهرت أي معوقات. وفي هذه الحالة، يمكننا أن نتوقع اتخاذ المزيد من الإجراءات من قبل مجلس الاحتياطي الفدرالي والبنك المركزي الأوروبي. والأهم من ذلك، سنشهد إجراءات تتجاوز الحد المتوقع في بيئة السوق الحالية.

وتتمثل النقطة الحاسمة هنا في حقيقة أن سوق السندات الناشئة كانت قد شهدت انتعاشاً كبيراً وتعتبر الآن مسرحاً لصفقات تداول وفق مستويات الهامش المتعاقد عليها خلال عام 2014. ويمكن أن يكون هذا الأمر مبرراً، وعلى هذا النحو، يمكن للمرء أن يجادل في مسألة أن الارتباط الإيجابي المتوقع بسندات الخزينة الأمريكية هو أضعف مما كان متوقعاً، ويعود ذلك ببساطة إلى حقيقة أن الأسواق الناشئة قد أصبحت الآن بمثابة اقتصادات أكثر استقراراً ونضجاً. ولكن من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار التعليق الذي أطلقه الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفدرالي بن بيرنانكي عام 2013 وما يترتب على ذلك من تأثير على العوائد الرئيسية وفئات السندات الأخرى، وبشكل خاص الأسواق الناشئة. وإذا ما شهدنا ارتفاعاً مفاجئاً في عائدات الخزينة الأمريكية، سيراودني إحساس سيء حيال الاعتماد على الاتجاه الواحد الذي تسلكه الأسواق الناشئة مع هبوط مفاجئ في المعنويات.

ومع دخول الربع الرابع، مازلنا نشعر بإيجابية حذرة حيال فئات السندات ذات المخاطر العالية، ولكن مع تزايد مخاطر الانتكاسات بسبب ارتفاع العائدات الأساسية. وتتوقف مسألة استمرار الأداء بالنسبة للسندات الأساسية على المفاجآت الاقتصادية السلبية وتصاعد حدة التوترات الجيوسياسية. ونحن نعتقد أن هذه النقاط التحفيزية ستكون أقل قيمةً خلال الربع الرابع، وأن مخاطر التركيز على التضخم سترتفع، وبالتالي نحن نقلل من أهمية التعرض في السندات الأساسية ونواصل التركيز على الأصول وفئات السندات ذات المخاطر العالية.

الصين – فرصة أم عبء؟

ويقودني هذا الأمر إلى الصين التي احتلت دائرة الضوء لأسباب عديدة. فهي المحرك الرئيسي للنمو العالمي، وفقاعة الائتمان المحتملة التي ستنهي جميع فقاعات الائتمان، وإجراءات البنك المركزي الأكثر خضوعاً للتحكم في العالم.

وسابقاً في عام 2016، كان الخوف من حدوث انهيار صيني بمثابة أمر مبالغ به، ولكن هذا الخوف كان واحداً من النقاط التي سببت بدايةً صعبةً لعام 2016 حول العالم. وبالنظر إلى تلك الفترة، كانت التطورات إيجابية في الواقع.

ومن حيث السندات، حظيت سوق السندات الصينية المحلية باهتمام ضئيل خارج الصين بالرغم من حقيقة أنها سوق قائمة على اليوان بقيمة 9.4 تريليون دولار، إذ أنها تعتبر ثالث أكبر سوق للسندات في العالم. وتعتبر هذه السوق ومسيرة تطورها أمراً لا يمكن تجاهله من المشاركين في السوق خلال الفترة القادمة. وخلال الربع السابق، كنا قد أعربنا عن قلقنا حيال الدافع الائتماني، وخاصةً بالنسبة للصين، وأنه ينبغي على المستثمرين متابعة التطورات الجارية هناك عن كثب، إذ يمكن لهذا الأمر أن يحمل أثراً كبيراً على الأسواق المالية الأخرى، سواء كان هذا الأثر سلبياً أم إيجابياً.

ولحسن الحظ، استمرت الصين في تطورها الإيجابي مع انعكاسات إيجابية على الأسواق والأصول الأخرى كالسلع التي شهدت مؤخراً انتعاشاً في الأسعار مقابل القاعدة العامة الشاملة. كما يعتبر التضخم الصيني وأثره على التضخم العالمي بمثابة مؤشر إيجابي لا ينبغي علينا تجاهله. وفي الواقع، وخلال الوقت الحالي، إن كل ما يحدث في الصين يحمل آثاراً صحية وباعثةً على الاستقرار بالنسبة للاقتصاد العالمي. لذلك يمكن للمستثمرين العالميين مراقبة وتأمل استمرار اتجاه النمو في الصين.

وفي الواقع، تبدو الآفاق جيدةً بحق. كما أن زميلي في ’ساكسو بنك‘ بيتر جارنري واثق تماماً بشأن الأسهم الصينية، ومن وجهة نظري الخاصة لن يشهد الدخل الثابت أي تراجع أو هبوط: مع التكنولوجيا المجددة وبشكل منظم للغاية، يعتبر نظام ’بوند كونيكت‘ بمثابة تطور لسوق المال الصينية. ويمثل هذا النظام أكثر من مجرد ابتكار تكنولوجي ورقمي، حيث يعتبر بمثابة وسيلة لفتح السوق الصينية وإحداث قفزة نوعية بحق نحو عولمة ثالث أكبر سوق للسندات في العالم.

وتعتبر رغبة الصين وبنك الشعب الصيني في فتح السوق والانخراط على الصعيد العالمي إيجابيةً للغاية. وينبغي ألا ننسى القيمة الخفية التي تظهر عندما تقوم الأسواق المالية منخفضة الشفافية والسيولة بفتح أبوابها لتصبح في متناول جميع المستثمرين. وعلاوةً على ذلك، قد تكون الأصول الصينية الحلقة المفقودة في العديد من المحافظ العالمية، والتي باتت تمتلك القدرة على إضافة أصول من واحد من أكبر الاقتصادات وأسرعها نمواً في العالم.

ونتوقع أن تُحدث هذه التطورات أثراً إيجابياً في الأسواق المالية الصينية والآسيوية خلال الفترة القادمة وأن تحمل انعكاسات إيجابية على الأسواق المالية الأخرى حول العالم.

أخبار مرتبطة