التحليل الشامل: فقاعات الإسكان تنفجر في كل مكان...... فما العمل الآن؟

الثلاثاء 23 يناير 2018
كريستوفر ديمبيك

بقلم كريستوفر ديمبيك، رئيس قسم التحليل الشامل لدى ’ساكسو بنك

من وجهة نظر الاقتصاد الكلي، تميل فقاعات الإسكان لتكون أخطر الأنواع نظراً لكونها تؤثر على شرائح واسعة من السكان. تتمثل أخطر أسواق العقارات خلال الوقت الراهن بكل من أستراليا ولندن وهونج كونج والسويد والنرويج.

نحن نعيش في عالم من الفقاعات التي تغذيها السياسة النقدية الميّسرة والسيولة المفرطة. غالباً ما تكون الفقاعات صعبة التمييز قبل انفجارها، ولكن يمكننا على الأقل أن نتفق على أن ارتفاع الأسعار الأسّي الفائق يعتبر من بين خصائصها الأكثر وضوحاً، وهو ما يحدث حالياً في العديد من الأسواق حول العالم: العملات الرقمية، الجزء المدر للعوائد السلبية من سوق السندات أو أسهم التكنولوجيا. ومع ذلك، ومن وجهة نظر الاقتصاد الكلي، تتمثل أخطر الفقاعات بتلك التي شهدناها خلال الماضي، وخاصةً في سوق العقارات.

وتعتبر الفقاعات الكامنة في الأصول المالية مثيرةً للقلق، ولكنها غالباً ما تؤثر على جزء صغير من السكان قياساً بتلك الموجودة في سوق العقارات. وتتمثل أكثر الأسواق العقارية انطواءً على المخاطر في كل من أستراليا ولندن وهونج كونج والسويد والنرويج. وتتقاسم جميع هذه الأسواق الخاصيتين التاليتين: أسعار المنازل منفصلة عن الدخل المحلي، كما أن الاقتصاد الحقيقي يشهد تشوهات ذات صلة بالسياسة النقدية، كالارتفاع الكبير في الإقراض و/ أو الطفرة الملحوظة في قطاع البناء والتشييد.

وعلى الرغم من الأزمة المالية العالمية، واصلت أسعار العقارات ارتفاعها في هذه المناطق الخمس. واستناداً إلى البيانات الصادرة عن بنك التسويات الدولية، تراوحت الطفرة المسجلة بين 45% في لندن وضواحيها وصولاً إلى أكثر من 200% في هونج كونج. وعلى المدى الطويل، تعتبر النرويج هي السوق الأكثر خطورةً. وخلال العقود الماضية، شهدت أسعار العقارات في هذه الدولة ارتفاعاً صاعقاً، كما وصل مؤشر إنتاج قطاع البناء والتشييد في الآونة الأخيرة - والذي يعتبر بمثابة علامة أخرى من علامات تشوه السوق - إلى أقصى مستوياته منذ عام 2000 (وقف عند 135 خلال الربع الثالث من عام 2017)

ومنذ عام 1992، ارتفعت أسعار العقارات في النرويج بنسبة 490% (60% من عام 2007 كنتيجة مباشرة لسياسة الفائدة المنخفضة التي اعتمدها البنك المركزي النرويجي). ومع ذلك، وخلال فترة قصيرة، كانت الأسعار الصاعدة بقوة أعلى في هونج كونج.

وما يجعل النرويج تمثل أكثر فقاعات الإسكان خطورةً هو المزيج الفريد من نوعه والمكون من المستوى المثير للقلق للديون المنزلية (تعتبر نسبة الديون المنزلية إلى صافي الدخل المتاح واحدةً من الأعلى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث بلغت 220%) وواحداً من أعلى معدلات ملكية المنازل بواقع 85% تقريباً (بينما كانت تسلك مساراً هبوطياً في بقع ساخنة أخرى من أمثال لندن أو أنها كانت تميل للاستقرار).

وبمجرد حدوث الانفار الحتمي للفقاعة، وهناك بالفعل علامات مبكرة للتصحيح منذ أن بدأت أسعار المباني السكنية بالانخفاض مع بداية عام 2017، سيؤدي هذا الأمر لوقوع خسارات فادحة في الثروة بالنسبة لمالكي المنازل الذين لن يكونوا قادرين على تحمل عبء دفعات الرهن العقاري في كثير من الحالات. وبحسب مكتب الإحصاءات النرويجي، ترزح نسبة تفوق 17% من الأسر (غالباً من الأزواج الشباب مع الأطفال) تحت وطأة ديون إجمالية تساوي أكثر من ثلاثة أضعاف دخلها السنوي. وسيخلف هذا الثقب الأسود المالي عواقباً هائلةً من ناحية الاقتصاد الكلي.

وتعني مسألة انعدام التضخم المقترنة بارتفاع المديونية وارتفاع معدل ملكية المنازل في مثل هذا الاقتصاد ذو معدل الاستدانة المرتفع أن تصحيح قطاع الإسكان (أو انفجار الفقاعة عند حدوث التصحيح) سيحمل آثاراً مضاعفةً على الاقتصاد وسيوقف الائتمان والنمو.

وتتمثل الأخبار السارة بأن المخاطر المنهجية المقترنة بفقاعات الإسكان هذه بقيت ضمن إطار محدود. وغالباً ما تتصل فقاعات الإسكان بالاقتصادات المفتوحة والصغيرة نسبياً والمرهونة بتدفقات الأموال الرخيصة الناتجة عن السياسة النقدية الميسرة، وفي بعض الحالات كأستراليا مثلاً، بأموال المضاربة التي يضخها المستثمرون الصينيون. ومع ذلك، تعتبر هذه التطورات جديرةً بالمشاهدة باعتبار أن الاقتصادات المفتوحة الصغيرة غالباً ما تتفوق على المناطق الأكبر من حيث سوق الإسكان.

وحتى الآن، كان الوضع صحياً إلى حد ما في معظم الدول المتقدمة، ولكننا نبدأ بمشاهدة المشاكل ذات الصلة بالتقييم وهي تظهر بين مكان وآخر. وعلى الرغم من ذلك، لا تشبه هذه الحالة أياً مما شهدناه قبل عام 2007.

وفي البلدان الأوروبية الرئيسية، يعتبر خطر فقاعة العقارات محدوداً للغاية. وكانت الأزمة المالية العالمية قد أدت إلى انفجار فقاعة الإسكان، وفقط منذ عام 2014 بدأت الأسعار تعود إلى مستويات ما قبل الأزمة مدفوعةً بالنمو الاقتصادي القوي. ومع ذلك، هناك بعض الاستثناءات كإسبانيا مثلاً، حيث تقبع الأسعار عند مستوىً أخفض بنسبة 20% قياساً بالمستوى المسجل خلال عام 2007.

وفي الولايات المتحدة، استعادت سوق الإسكان عافيتها بصورة تامة. واقترب ’مؤشر كيس- شيلر الوطني‘ لأسعار المنازل من بلوغ مستوياته خلال فترة ما قبل الأزمة. وتبدو المدن التي شهدت طفرةً جديدةً في طريقها لتحل محل ميامي ولاس فيغاس، حيث بقيت أسعار الإسكان تحت مستويات عام 2007. وفي بوسطن، تقبع الأسعار عند مستوىً أعلى بنسبة 20% قياساً بذروتها السابقة، في حين سجلت الأسعار في كل من سياتل ودالاس مستويات أعلى بنسبة 40 و50% على التوالي. ومع ذلك، وبخلاف عام 2007، تعتبر مديونية الأسر أكثر استدامةً منذ أن كانت نسبة ديون الأسر إلى صافي الدخل المتاح تبلغ 112% في عام 2015، مقابل 142% في عام 2017 (المصدر: منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، آخر البيانات المتاحة).

وبين الاقتصادات الرئيسية، تركزت مخاوف المستثمرين في الغالب على الصين حيث تضخمت أسعار العقارات بصورة هائلة بسبب السيولة الزائدة. ويتمثل الجانب المشرق بأن أول التدابير التي اتخذتها الحكومة لتنظيم السوق العقارية بصورة أفضل يبدو وكأنه يؤدي الغرض المطلوب للمرة الأولى منذ ربيع عام 2015، تم إبرام العقود الخاصة بمبيعات المنازل الجديدة خلال شهر أكتوبر 2017. ومع ذلك، ما تزال مسألة الخلوص إلى نتيجة ما سابقة لأوانها؛ إذ ينبغي علينا انتظار المزيد من البيانات القادمة من الصين لمعرفة ما إذا كانت التصحيحات ستتم خلال عام 2018. وسوف يعتمد هذا الأمر بشكل كبير على الأهداف الاقتصادية التي سيتم كشف النقاب عنها من قبل حكومة بكين خلال الاجتماع البرلماني السنوي المزمع عقده في شهر مارس القادم.

أخبار مرتبطة