مخاطر تصحيح أسعار النفط تلوح في الأفق بالتزامن مع ارتفاع صادرات النفط الأمريكية

الأحد 01 أكتوبر 2017
أولي هانسن

بقلم: أولي هانسن

في حين لم يولد شهر سبتمبر أي عائدات بالنسبة لمؤشر بلومبيرغ للسلع، إلا أنه بالنظر إلى ما هو أبعد من الأداء الثابت للأسواق يمكننا أن نشهد استمرار تعافي قطاع الطاقة والمعدّل بالخسارات المسجلة في قطاع المعادن الثمينة والصناعية. 

وكانت ردة فعل قطاع المعادن، وخاصةً المعادن الثمينة، سلبيةً للغاية تجاه الخطاب العنيف الذي ألقته رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي جانيت يلين، والذي تركت فيه جميع الخيارات على الطاولة تجاه الارتفاع في الأسعار وصولاً إلى شهر ديسمبر. وتلى ذلك خطط الضرائب التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومن خلفه الحزب الجمهوري 

وبالطبع تأثرت الأسهم الأمريكية في تبعات ذلك، فيما حاول الدولار مجدداً التعافي من المستوى الأدنى الذي وصل إليه على مدى سنتين ونصف السنة، مدفوعاً بالقناعة السائدة بأن الضرائب المنخفضة ستشجع النمو الاقتصادي. وبالإضافة إلى ذلك، سجلت عائدات السندات قفزةً نوعية مدفوعةً بالمخاوف من أن خطة الضرائب غير المدعومة ستسهم في زيادة حركة الاستدانة الفيدرالية ما سيزيد من العجز الحكومي.

ولعل أهم أخبار السلع المسجلة خلال الشهر الماضي تتمثل في تعافي قطاع الطاقة، حيث أسهمت حالة الاضطراب المترتبة على إعصار هارفي في شهر أغسطس في دعم أسعار خام برنت والمحروقات بشكلٍ عام. وقدّمت وكالة الطاقة الدولية دعماً إضافياً وعاماً بتصريحها الذي أشارت فيه إلى أن نمو الطلب قد أدى لتسجيل ربعٍ ثانٍ من تجاوز معدلات الطلب للعرض، وهو الأمر الذي يحدث للمرة الأولى في السوق منذ عام 2014. 

وفي الصين تعرضت أسعار فلذ الحديد والصلب لضغوطاتٍ كبيرة قُبيل انعقاد المؤتمر العام للحزب الشيوعي في 18 أكتوبر، والذي ينعقد مرتين في كل عقد. ومن المتوقع أن تتابع الحكومة الصينية مسيرتها في دفع الجهود الرامية لمكافحة التلوّث، ما سيؤدي بالتالي لإغلاق المزيد من المصانع وخفض الانتاج خلال الأشهر التي تشهد عادةً أعلى مستويات التلوّث، في الفترة الممتدة بين نوفمبر ومارس. وأثرت هذه التطورات على فلذات الحديد بشكلٍ كبير، حيث تزامن هذا مع ارتفاع الشحنات الصادرة من أكبر المصدرين في العالم في أستراليا والبرازيل. 

وبعد الاختلاف والتقلبات المستمرة بين البلاتينيوم والبلاديوم، تمكّنت تداولات البلاديوم من التغلّب على نظريتها، متجاوزةً إياها للمرة الأولى منذ 15 عاماً. ومنذ ظهور فضيحة انبعاثات الديزل لشركة ’فولكس فاجن‘ إلى العلن قبل سنتين، تمكن البلاديوم، وهي أحد المعادن المفضّلة للتحكم بمستويات التلوّث الناجم عن محركات البنزين، من التغلب على البلاتينيوم، بصفة الأخير المعدن المفضل للتحكم بمستويات التلوّث الناجم عن محركات الديزل.

وأدت هذه التطورات إلى محدودية العرض من البلاديوم، في الوقت الذي يعاني فيه البلاتينيوم من وفرة العرض نتيجة تراجع الطلب. وترتبط التطورات الأخرى في هذا السياق بتوجهات أسعار الذهب أولاً، وثانياً بالردود المحتملة لشركات صناعة السيارات العالمية. ومع أن تداولات البلاتينيوم تتم بمستويات متدنية بالمقارنة مع الذهب بما يتجاوز 360 دولار أمريكي، فإن علاقته مع الذهب ما زالت أعلى من تلك التي يسجلها البلاديوم. وبالتالي، فإن التوجه قصير المدى للذهب يحمل بجعبته الجواب حيال السؤال حول مجموعة المعادن التي سيسجل فيها البلاتينيوم أداءاً جيداً.

وعاد الذهب تقريباً إلى منتصف خط رحلته التي سجل خلالها 150 دولار أمريكي بين شهري يوليو وسبتمبر. وبالطبع فإن حركة التصحيح تعتبر جيدةً وصحيةً ما لم تضرب عميقاً، نظراً لأنها تتيح فرصة الانخراط أمام شريحةٍ أكبر من المتداولين الذين فوتوا فرصة المشاركة في الخطوة الأولى.

وعلى أي حال، سجلت تداولات الذهب أداءً أفقياً على مدى السنوات الأربعة الماضية بمتوسط أسعار بلغ 1,235 دولار أمريكي للأونصة. وبالنظر إلى التطورات الأخيرة، فإن احتمالات كسر هذا التوجه في المستقبل القريب تلاشت تماماً. ولم تحقق التقلبات المسجلة خلال شهر سبتمبر في كسر الرقم القياسي المسجل عام 2016، والذي بلغ 1,375 دولار أمريكي للأونصة، وبالتالي يمكننا أن نشهد مخاطر متزايدة لمراوحة السوق في مستوياته الحالية لمدةٍ أطول.

ونحتاج أن نحدد على المدى القصير ما إذا كانت حالة الضعف الحالية مجرد عملية تصحيح عميقة التأثير نسبياً، أم تتجاوز ذلك. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها، ستحافظ التوقعات الفنية على إيجابيتها، طالما حافظ الذهب على أدائه المتقدّم فوق حدود 1,260 دولار أمريكي للأونصة، وهو المستوى الذي يمثل أهميةً فنيةً خاصة.

وعلى المنقلب السياسي، تستمر المخاطر الجيوسياسية في مختلف أنحاء العالم، وعلى رأسها تهديدات كوريا الشمالية. وفي منطقة الشرق الأوسط، تسبب التصويت على استقلال إقليم كردستان شمالي العراق في تزايد مخاطر وقوع مواجهةٍ عسكرية، حيث تعارض كلٌ من تركيا والعراق وإيران قيام دولةٍ كردية غنية بالموارد النفطية. وانطلاقاً من هذا، لا يمكننا أن نقول بوجود تهديد مباشر للذهب من حالة التسييل المتصاعد، خاصةً بالنظر إلى إيماننا بأن أسعار الدولار، التي لم تشهد علاقاتٍ طيبة مع الذهب خلال الأسابيع القليلة الماضية، لن تدوم على حالها لفترةٍ طويلة.

وفي الولايات المتحدة، لا يزال الرئيس ترامب يعاني من آثار محدودية شعبيته المتراجعة، وبالتالي فإن تمرير مشروع قرار الضرائب الجديد مستبعدٌ جداً، نظراً لما قد يترتب عليه من عجزٍ كبير في ميزانية الحكومة. 

وشهدت تداولات النفط معدلات أعلى للأسبوع الرابع على التوالي نتيجة استمرار تحسّن أداء أساسيات مشتقات النفط ما دعم نزعةً أكثر إقبالاً على النفط بالنسبة للمستثمرين. وضمت أهم التطورات الأسبوع الماضي ظهور مؤشرات بدء عودة سوق الطاقة الأمريكي لطبيعته بعد حالة التشتت المترتبة على الإعصارات، فيما أدى التصويت على انفصال كردستان لارتفاع المخاوف حيال توقف ضخ النفط الخام من المناطق الغنية به في العراق. 

وسجل تقرير حالة النفط الأسبوعي الصادر عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ارتفاع صادرات النفط الأمريكية إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، فيما ساعدت الواردات المتزايدة للوقود إلى جانب ازدياد أنشطة مصافي التكرير في دعم احتياطيات البنزين. وساعد هذان التطوران في خفض حسومات خام غرب تكساس الوسيط أمام برنت، مع ازدياد صادرات خام غرب تكساس الوسيط ما ساعد في تخفيف الضائقة المفروضة على خام برنت في الأسواق المستهدفة خلال هذا العام. 

ونتيجة ازدياد وفرة البنزين، تمكّنت مصافي النفط من استعادة هوامشها إلى مستويات ما قبل اعصار هارفي، مع تسجيل ضغوط فقط في المشتقات المتوسطة مثل الديزل. وقد تؤدي الهوامش المنخفضة لمصافي النفط في نهاية المطاف إلى انخفاض الطلب على النفط الخام.

وتتابع مشتقات النفط الرئيسية تحسين أدائها، حيث تجاوز الطلب في الربع الثاني مستويات العرض للمرة الأولى منذ عام2014، وذلك وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. وبناءً على ما تقدّم، يمكننا القول بأن العودة إلى المستويات المسجلة سابقاً خلال محاولة الدفع الفاشلة خلال الربع الأول تبدو مبررةً حالياً. 

وبالنظر إلى مستويات الصادرات الأمريكية غير المسبوقة- في حال إمكانية الحفاظ عليها خلال الأسابيع المقبلة، مع الأخذ بعين الاعتبار نوايا ليبيا بزيادة الانتاج بنسبة 30% قبل نهاية العام- نجد بأن المخاطر تفرض ضغوطاً معتبرةً على خام برنت بالمقارنة مع خام غرب تكساس الوسيط. وشهد خام برنت طلباً متزايداً من الصناديق، ومن المستثمرين طويلي الأمد فقط، وذلك في أعقاب عودته للاتجاه الأكثر إقبالاً بالنسبة للمستثمرين. 

وفي الأسبوع حتى سبتمبر 19، سجلت الصناديق صافياً طويل الأمد وصل إلى 465 مليون برميل من خام برنت، أي أقل بـِ43 مليون برميل بالمقارنة مع أرقام شهر فبراير. وأسهم الفشل في تسجيل أرقامٍ أكبر في ذلك الحين في تحقيق تصحيح بنسبة 13 في المائة، 

وبالنظر إلى التوقعات المحسّنة، يمكننا أن نرفع نطاق توقعاتنا لخام برنت بنحو 5 دولار أمريكي، لتصل إلى متوسط 50-60 دولار أمريكي للبرميل. وعلى المدى القصير، وبالنظر لحالة التصعيد المسجلة في شمال العراق، أسهم الأداء المسجل الأسبوع الماضي في زيادة مخاطر التصحيح، ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى انعكاس اتجاه خام برنت إلى مادون 54 دولار أمريكي للبرميل.

وأسهم تسجيل ظاهرةٍ غريبة على جداول المؤشرات الأسبوعية بالنسبة لخام برنت وخام غرب تكساس الوسيط في زيادة مخاطر الانعكاس المحتمل عند الذروة. ويميل مثل هذا الانعكاس لأن يكون في أقوى حالاته عند تشكله في أعقاب سلسلةٍ من ثلاث نقاطٍ تصاعدية متتالية أو أكثر على الجداول مع اتجاهٍ صعودي. 

 

 

أخبار مرتبطة