العمل من أجل البيئة.. رسالة تسامح لمستقبل البشرية

الثلاثاء 05 فبراير 2019
الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي

بقلم معالي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي وزير التغير المناخي والبيئة

رسالة محبة وتعايش، تسامح ونبذ لكافة أشكاله التطرف، قطبيها "الدين المعاملة"، و"الله محبة" تبعثها دولة الإمارات لأرجاء المعمورة كافة من أقصاها إلى أدناها، عبر استضافة قامتي الإسلام والمسيحية قداسة بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر الشريف في خطوة جادة وبناءه لمواجهة مظاهر التطرف الديني من درجاتها القصوى المتمثلة في الجماعات المتطرفة إلى درجاتها الدنيا والتي تكمن في السلوكيات الأنانية الشخصية للأفراد، رسالة تمثل فيها النموذج الأنجع عالميا في التعايش بين ما يزيد عن 200 جنسية ومئات المعتقدات الدينية.

خطوة تستهدف ايجاد مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمستقبلية، كما تستهدف دائما قيادة الامارات الرشيدة في استراتيجيتها وخططها ورؤاها كافة.

وبحكم التخصص العملي، يظهر هنا تساؤل هام اطرحه واضعاً نصب عيني ما قدمه القادة العظام لدولة الإمارات للعمل من أجل البيئة، هل سلوكيات التسامح من عدمه تقتصر على التعاملات بين البشر فحسب، أم أن البيئة وما تحويه من أرض وبحار وكائنات حية أخرى لها مكان ضمن هذه المنظومة بإيجابياتها وسلبياتها.

وحتى يتضح الأمر لنتفكر قليلاً في التساؤلات التالية، لماذا - وفقاً للإحصاءات العالمية – شهدت كائنات الحياة البرية تراجع في أعدادها بنسبة 60% خلال العقود الأربع الماضية، ولماذا تسجل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون زيادة مستمرة ويتوقع خلال العام الجاري أن تزيد 2.7% مقارنة بالعام 2017، ولماذا يضيع 90% من تنوع المحاصيل على مستوى العالم، ولماذا ثلث حجم التنوع البيولوجي في الخليج العربي مهدد بالانقراض، وأخيرا لماذا ارتفع عدد الظواهر المناخية المتطرفة من 80 إلى 400 ظاهرة سنوياً وتضاعفت حدتها بشكل كبير.

هذه السلبيات التي تشهدها أرضنا وكائناتها الحية وأكثر يقف وراءها جميعاً نشاط البشر، سلوك البشر غير المستدام في الإنتاج والاستهلاك قد يراه كثيرون طبيعي ومنطقي مرتكنين إلى تخيل بان موارد الطبيعة لا تفني وأن قيمتها أيا كانت أقل بكثير من حياة انسان غير مدركين انها أساس هذه الحياة.

عدم تسامح يتسم به سلوك الكثيرين تجاه البيئة سواء بعدم وعي أو رغبة في النمو وتحقيق المكاسب الاقتصادية، عدم تسامح خلف انقراض لحيوانات عدة، واختفاء لنباتات أكثر، وشح في موارد الطبيعة، وخلال العقود الأخيرة تفاقمت حدة في تداعيات التغير المناخي.

إن التسامح يبدأ بتعاملنا مع البيئة ومكوناتها، وقدرتنا على حمايتها وتحقيق منظومة الإنتاج والاستهلاك المستدامين سيخلق متجمع صحي من الناحية النفسية والجسدية، ما سينعكس إيجابيا على سلوك البشر مع بعضهم، ويمهد الطريق لقادة ومسؤولي كل دولة على تحقيق التعايش والتسامح بين سكانها كافة، الأمر الذي انتهجته دولة الإمارات.

فمنذ تأسيسها على يد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد كان الاهتمام بالبيئة وحمايتها محور كافة النشاطات، وبمرور السنوات تطور الاهتمام عبر توظيف التكنولوجيات الحديثة لتصبح مراكز لحماية الأنواع المهددة بالانقراض، وتعزيز استدامة البيئات البرية والبحرية والعمل على استدامة مواردها وتنوعها البيولوجي.

هذا التسامح مع البيئة وعبر تعزيزه باستراتيجيات وخطط ورؤى مدروسة لكافة القطاعات جعل من الإمارات نموذج للتعايش بين جنسيات العالم اجمع في دولة واحده، وللتسامح الذي يجمع مئات الأديان والمعتقدات والاعراق في مجتمع واحد.

وكما ترسل الإمارات اليوم للعالم اجمع رسالة محبة ودعوة لنبذ التطرف عبر استضافتها لقطبي الإسلام والمسيحية، فإنها ترسل ومنذ سنوات رسائل للمجتمع الدولي بأهمية وكيفية التسامح مع البيئة، رسائل تشمل تطبيق تجارب محلية ناجحة في التحول نحو الاقتصاد الأخضر، والحفاظ على التنوع البيولوجي وضمان استدامة الموارد الطبيعية وخفض مسببات التغير المناخي، وتشمل مطالبات رسمية خلال المحافل الدولية المتخصصة بمزيد من الالتزام الدولي بحماية البيئة والعمل من أجل المناخ، كما تشمل مساعدة للبشر في دول ومجتمعات عدة حول العالم في تحقيق هذا التسامح عبر التحول لمزيد من صداقة البيئة.

الإمارات وعبر هذا الدور تخاطب العالم أجمع وتؤكد له أن التسامح ليس معاملات يجب ان نفرضها بين البشر، بل سلوك وصفة تنبع من الفرد وتنعكس على محيطة بالكامل من بيئة وبشر وحيوان ونبات وتتحول لحالة مجتمعية قادرة على استيعاب كافة الاشكال والاجناس والأعراق والمعتقدات وتخلق رادعاً قوياً لأي تطرف.

Search form